في تقرير نشرته مجلة "جون أفريك" الفرنسية، رُسمت صورة حية لمدينة دوالا بوصفها مركزًا اقتصاديًا نابضًا وإرثًا نضاليًا عريقًا، لكنها في المقابل تعاني من تهميش سياسي ممنهج من النظام الحاكم بقيادة الرئيس بول بيا، الذي يتولى السلطة منذ أكثر من 4 عقود.
وتقع دوالا على الساحل الغربي للكاميرون، وتُعد القلب التجاري والصناعي للبلاد، لكنها في الوقت نفسه ترزح تحت وطأة البنى التحتية المتهالكة والخدمات العامة المتردية.
وشوارع المدينة تختنق بعوادم الدراجات النارية، التي تمثّل 40% من وسائل النقل فيها، بينما تفتقر معظم أحيائها إلى الإنارة العامة والمساحات الخضراء والمرافق الشبابية، رغم أن أكثر من 60% من سكانها دون سن الخامسة والعشرين.
أما أماكن الترفيه، فتقتصر غالبًا على نحو 18 ألف حانة، في ظل غياب واضح للاستثمار الحكومي في المراكز الثقافية والرياضية.
ومع ذلك، لا تزال دوالا تحتفظ بجاذبيتها الخاصة؛ روحها المتمردة وهويتها المستقلة التي تميزها عن باقي مدن الكاميرون.
تشير المجلة إلى تنامي الشعور بين سكان دوالا بأن مدينتهم تُقصى عمدًا من المعادلة السياسية، إذ يشكك مسؤولون محليون في دقة الإحصاءات الرسمية التي تفيد بأن عدد سكان ياوندي بلغ 4.6 مليون نسمة، مقابل 4.3 مليون في دوالا.
ويؤكد معارضون أن هذه الأرقام لا تعكس الواقع، لافتين إلى استثناء مناطق واسعة مثل جابوما في ضواحي دوالا من التعدادات السكانية، بهدف تقليص الثقل الانتخابي لمدينة لطالما وقفت في صف المعارضة.
ويذهب بعضهم إلى حد القول إن هذه السياسة تخدم توجيه التمويل الحكومي نحو العاصمة السياسية على حساب العاصمة الاقتصادية.
لطالما شكلت دوالا رمزًا للمقاومة منذ الحقبة الاستعمارية، ففيها واجه الأمير رودولف دوالا مانغا بيل، محاولات الاستيلاء الألماني على أراضي قبيلته، لينتهي به المطاف إلى الإعدام عام 1914، ويُخلَّد كرمز للكرامة الوطنية.
كما كانت المدينة معقلًا لحزب الاتحاد الشعبي الكاميروني، الذي خاض نضالًا مسلحًا ضد الاستعمار الفرنسي، وقدّم قادته حياتهم فداءً للحرية، وعلى رأسهم روبين أوم نيوب وفيليكس مومييه.
وبعد الاستقلال، ظلت دوالا في حالة صدام غير معلن مع السلطة المركزية، ودفعت ثمنًا باهظًا، خاصة خلال "العمليات الأمنية" في تسعينيات القرن الماضي، التي شهدت حالات اختفاء وتعذيب أدانتها منظمات حقوقية.
مع اقتراب الانتخابات الرئاسية المقررة في أكتوبر 2025، تتحول دوالا إلى ساحة سياسية مشتعلة.
ففي انتخابات 2018، كانت المدينة الوحيدة التي منحت زعيم المعارضة موريس كامتو المركز الأول، متقدمة على بول بيا، في مؤشر واضح على توجهها السياسي.
ويبدو أن هذا التوجه لم يتغير، بل ازداد وضوحًا. فبحسب التقرير، تسعى السلطات إلى تقليص نفوذ المعارضة في المدينة عبر التضييق على التجمعات العامة. في المقابل، تبرز الكنيسة الكاثوليكية كلاعب رئيسي في المشهد، حيث صرّح المطران صامويل كليدا مؤخرًا بأن ترشح بيا مجددًا "غير واقعي".
ورغم التهميش والتحديات، لا تزال دوالا مدينة استثنائية. فهي لا تنام، وأسواقها وصيدلياتها تعمل على مدار الساعة، بينما تنبعث الموسيقى من حاناتها وأزقتها، تعكس نبض شعب يعشق الحياة رغم قسوتها.
في أحياء مثل بالي وأكوا، تنبض المدينة بإيقاعات الماكوسا، وتزدهر بالمواهب الفنية التي وصلت للعالمية، من أمثال ريتشارد بونا وإتيان مبابي.
وخلص تقرير المجلة إلى أن دوالا، بين ضجيج الحياة وتقلبات السياسة، تثبت أنها أكثر من مجرد مدينة اقتصادية؛ إنها حالة وطنية كاميرونية تُقاوم، وتُلهم، وتستمر.