توقع تقرير لوكالة "بلومبيرغ" الإخبارية أن تنفق البلدان الأوروبية التي تواجه تهديداً متجدداً من روسيا مئات المليارات على المعدات العسكرية؛ وأن تتجه، في ضوء النقص الشديد في الأفراد، إلى العاملين بدوام جزئي والمجندين والاحتياطيين، سواء كانوا طلابا، أو عمالا، أو حتى محاربين قدامى، لإعادة بناء جيوشها.
وبحسب الوكالة، تواجه أكبر الجيوش الأوروبية، دون استثناء تقريبًا، نقصًا كبيرًا في الأفراد، حيث تؤثر التغيرات الديموغرافية والعوامل الاقتصادية والتحولات طويلة الأمد في المواقف تجاه الخدمة العسكرية على قدرتها على تجنيد الجنود والاحتفاظ بهم.
التجنيد الإجباري
وبينما ستنفق الدول الأوروبية، على مدى السنوات القليلة المقبلة، مئات المليارات من الدولارات على الطائرات والمدفعية والمركبات المدرعة والطائرات بدون طيار والتحصينات، لكن الاندفاع لإعادة بناء الجيوش التي تقلصت على مدى عقود من نقص الاستثمار قد كشف عن تحدٍّ كبير.
وفي حين ترفع بعض الحكومات الأجور، وبينما تحاول حكومات أخرى إثارة الشعور بالأزمة أو الواجب الوطني، قامت أخرى بإعادة العمل بنظام التجنيد الإجباري أو مدد العمل به، ما يمثل تغييرًا جذريًا في العقد الاجتماعي.
وتابع التقرير أن شكل الحرب تطور، في السنوات الثلاث التي تلت الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا، إلى مبارزة بين الابتكار المستمر والتكنولوجيا المتقدمة في الجو والفضاء الإلكتروني، وإلى حرب خنادق طاحنة على الأرض؛ ما يُمثل عودة إلى نوع من الصراع، بين دولتين متعادلتين تتقاتلان على أرض أوروبية، توقفت الجيوش الأوروبية إلى حد كبير عن التخطيط له بعد نهاية الحرب الباردة.
تعزيز الجيوش
وإلى جانب زيادة ميزانياتها الدفاعية، تسعى الدول الأوروبية إلى تجنيد أعداد كبيرة من الأفراد؛ فعلى سبيل المثال، صرّح كبير الجنرالات في ألمانيا في فبراير/ شباط 2025 أن الجيش قد يحتاج إلى إضافة 100 ألف جندي في الخدمة الفعلية إلى قوامه الحالي البالغ 180 ألف جندي.
وفي حين تعتزم بولندا زيادة قواتها من 208 آلاف إلى 230 ألف جندي هذا العام، وصولاً إلى 300 ألف جندي محترف و150 ألف جندي احتياطي، أعلنت الحكومة الهولندية أنها تريد زيادة عدد أفرادها العسكريين بأكثر من الضعف، من 70 ألفًا إلى 200 ألف جندي، بما في ذلك قوات الاحتياط، بحلول عام 2030.
ولفت التقرير إلى أن قوات الاحتياط الفرنسية لطالما كانت محورية في سياستها العسكرية لقرون، حيث خدمت في الحروب النابليونية والحربين العالميتين.
وفي حين تواجه أوروبا تهديدًا متزايدًا لأمنها من روسيا، ومع احتمالية أن تُقلص الولايات المتحدة التزاماتها بالدفاع عن حلفائها أو تتراجع عنها، تلجأ فرنسا مجددًا إلى جنودها المواطنين.
وعلى مدار العقد المقبل، تخطط الحكومة الفرنسية لمضاعفة عدد جنود الاحتياط إلى أكثر من الضعف ليصل إلى 105 ألف جندي، بمعدل جندي بدوام جزئي لكل جنديين عاملين.
العزوف عن الجيش
وأردف التقرير أن الجيوش تُدرك حاجتها إلى "حشدٍ" في ساحة المعركة، وقدرة على تعبئة الأفراد بسرعة؛ لكن بناء ذلك أمرٌ صعب.
ففي مارس/ آذار 2025، كشف تقريرٌ حكوميٌّ ألمانيٌّ رسميّ عن حالة الجيش أن 28% من المناصب في صفوف المجندين، و20% من صفوف الضباط شاغرة.
وفي المملكة المتحدة، حيث تقلّص عدد أفراد الجيش النظامي من 110 ألف عام 2010 إلى حوالي 73 ألف عام 2025، لجأت القوات إلى شركات التوظيف التابعة للقطاع الخاص لمحاولة تجنيد عددٍ كافٍ من الأفراد للحفاظ على الأعداد.
وختم التقرير مُشيرًا إلى أن نقص المجندين الراغبين والقادرين لا يُمثّل مشكلةً أوروبيةً فريدة؛ حيث فشلت معظم فروع الجيش الأمريكي باستمرار في تحقيق أهداف التجنيد لسنوات.
ووجد تقريرٌ حديثٌ أن أقل من ربع الأمريكيين الذين تتراوح أعمارهم بين 17 و25 عامًا مؤهلون للخدمة دون الحصول على إعفاءٍ لأسباب صحية، أو تعاطٍ سابق للمخدرات، أو انخفاض في التحصيل التعليمي، أو سجلات جنائية، أو غيرها من القضايا.
وتشير التقارير إلى أن الصين وجدت صعوبة في إقناع المواطنين الشباب باختيار المهن العسكرية بدلاً من القطاع الخاص، وكما هو الحال في أوروبا، فإن سكانها يشيخون ويتضاءل عددهم.