رأت مجلة "ذا ناشيونال إنترست" الأمريكية أن الصين اعتمدت سياسة "الغموض الاستراتيجي" تجاه الصراع في أوكرانيا، ما يسمح لها بدعم روسيا مع تجنب المواجهة المباشرة مع الغرب.
ومع ذلك، "لم ينخدع الغرب باستراتيجية الصين، إذ أدى تقارب بكين مع روسيا إلى إضعاف العلاقات الصينية الأوروبية"، بحسب المجلة.
وقالت إن "الصين مارست لعبة التوازن طوال أكثر من 3 سنوات من الحرب في أوكرانيا. فبدلاً من الانحياز إلى أي طرف بشكل واضح ومحدد، كما هو الحال في معظم دول الغرب، حرصت الصين على ضبط سياستها بما يتماشى مع مصالحها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية".
وحرصاً منها على التوازن، عززت بكين علاقاتها مع روسيا، متجنبةً المواجهة المباشرة مع الغرب، محافظةً على حيادها الرسمي، ومؤكدةً في الوقت نفسه دعمها موسكو.
ويُشكل "الغموض الاستراتيجي" جوهر نهج الصين تجاه حرب أوكرانيا.
نظرياً، تدّعي الصين أنها طرف محايد في الصراع، وكثيراً ما تدعو إلى محادثات سلام أو حل سياسي، مؤكدةً ضرورة احترام سيادة جميع الدول وسلامة أراضيها. إلا أن لغة الصين غالباً ما تبدو غامضة وغير مُلزمة عمداً.
وطوال فترة الحرب، امتنعت الصين من انتقاد روسيا على غزوها، وامتنعت في محافل مثل الأمم المتحدة من التصويت على قرارات تُدين سلوك موسكو. يُمكّن هذا التوازن الصين من تقديم نفسها كفاعل دولي مسؤول وعقلاني دون إغضاب روسيا، الشريك الاستراتيجي الرئيس.
ومع ذلك، ورغم الغموض، فقد تعمّقت علاقة الصين بروسيا منذ بدء الصراع في فبراير/شباط 2022. فبينما لم تُقدّم الصين قطّ مساعدة عسكرية مباشرة لروسيا، إذ من المرجح أن يُؤدّي ذلك إلى فرض عقوبات غربية، أقامت بكين علاقات اقتصادية ودبلوماسية مهمة مع روسيا، ما حال دون عزلة روسيا الاقتصادية.
والجدير بالذكر أن التجارة الثنائية بين الصين وروسيا قد ازدادت، لا سيما في قطاع الطاقة.
وزادت الصين كثيرًا وارداتها من النفط والغاز والفحم الروسي، ما وفّر لموسكو عائداتٍ هي في أمسّ الحاجة إليها وسط العقوبات الغربية الخانقة.
وفي المقابل، زادت الصين صادراتها من الإلكترونيات والآلات والسلع الاستهلاكية إلى روسيا، لتحلّ محلّ العديد من الشركات الغربية التي انسحبت من السوق الروسية بعد غزو بوتين لأوكرانيا.
أما على الصعيد الدبلوماسي، فقد رددت الصين المواقف الروسية، مثل الادعاء بأن الغزو الروسي كان نتيجة حتمية في ظل توغل الناتو في أوروبا الشرقية.
في الوقت نفسه، غالبًا ما تُشدد وسائل الإعلام الرسمية الصينية والمسؤولون الصينيون على الدور الذي أدته الولايات المتحدة في تصعيد التوترات في أوروبا، وهي رسائل تتسق مع الرؤية الصينية الأوسع للعالم، التي ترى أن النظام الليبرالي الذي تقوده الولايات المتحدة غير مستقر ويميل إلى المواجهة.
وبناءً على ذلك، لا يُنظر إلى الحرب في أوكرانيا على أنها مجرد صراع إقليمي بين أوكرانيا وروسيا، بل كواجهة في صراع أوسع بين أحادية القطب المزعومة بقيادة الولايات المتحدة ونظام متعدد الأقطاب تُعد الصين لاعبًا رئيسًا فيه.
وحرصت الصين على تجنب العقوبات الثانوية من الغرب.
وفي معظم الأحيان، تجنبت بكين تجاوز الخطوط الحمراء التي من شأنها أن تُسبب رد فعل انتقاميًا من الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، ما يُؤكد رغبة الصين في الحفاظ على وصولها إلى الأسواق الغربية.
وتعتقد المجلة أن "الهدف النهائي للصين يتمثل في تعظيم نفوذها الجيوسياسي مع تقليل المخاطر على مصالحها الوطنية الأساسية.
ونجحت بكين في الحفاظ على مرونتها الجيوسياسية، وتجنب العقوبات، والحفاظ على الاستقرار الاقتصادي.