حدد خبراء مختصون في العلاقات الدولية، مجموعة من الأسباب التي تجعل تركيا تفضل تجنب المواجهة مع إسرائيل، وفي صدارتها الحفاظ على نفوذها في المنطقة.
وأوضحوا في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن أنقرة تعمل على تجنب الصدام العسكري مع تل أبيب بالساحة السورية، رغبة في الحفاظ على المقاتلين الأجانب بالفصائل الموالية لها هناك.
ورجح الخبراء أن تعمل تركيا في خضم ما أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من وساطة بينها وبين إسرائيل، على تراجع انتشارها في سوريا، في ظل إدراكها ما تمتلكه تل أبيب من أدوات جانبية عدة في التعامل معها، من بينها تنشيط قوى مسلحة متصادمة مع تركيا متواجدة على حدودها.
وكان قد أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن تل أبيب لن تتردد في مهاجمة تركيا عسكريًا إذا لزم الأمر، فيما كشف مسؤول إسرائيلي، بأن ضباطًا أتراكًا وإسرائيليين ناقشوا إنشاء آلية لفض الاشتباك بين جيشي البلدين في سوريا.
وكانت مصادر إسرائيلية مطلعة، أكدت إصرار تل أبيب على أن يكون جنوب سوريا منطقة منزوعة السلاح، بما في ذلك منع أي وجود عسكري تركي فيها.
وقالت المحللة السياسية ميس كريدي، إن إسرائيل وتركيا اتفقتا على إسقاط النظام السابق في سوريا، ولكن الاختلاف بينهما بدأ الآن مع عملية حصد النتائج، حيث أطلقت أنقرة الفصائل المسلحة، التي تدين بالولاء لها إلى الداخل السوري.
وأشارت إلى أن تل أبيب تحركت ضمن التداعيات التي شكلت خطرًا عليها وفقًا لنظرتها إلى دمشق قبل سقوط نظام بشار الأسد، نظرًا لدعمها حركة حماس وحزب الله اللبناني.
وبيّنت كريدي لـ"إرم نيوز"، أن النظام التركي منذ وصول الجماعات المقربة منه إلى السلطة في دمشق، تعتقد تل أبيب ودول أخيرة بقيام الحكومة الجديدة في سوريا بتجميع أعداد كبيرة من المرتزقة والمقاتلين.
ومضت قائلة: يبدو أن واشنطن وقفت أمام ذلك في ظل وجود منهجية لنظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بدعم هذه الجماعات والاستفادة منها، وهو ما يظهر بوضوح في سوريا مع رفض أي تجاوب من الرئيس السوري أحمد الشرع، لإخراج المقاتلين الأجانب.
ولفتت كريدي إلى أن واشنطن تحاول الضغط على أنقرة في ذلك الاتجاه لأن المجتمع الغربي في مأزق، وأن تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي "الناتو" وجيشها مهم فيه.
وبيّنت أنه بالتزامن مع التعامل مع إسرائيل على أنها الشريك الاستراتيجي الأول لـ"الناتو" في الشرق الأوسط، يتم العمل على فض الاشتباك في سوريا حول تقاسم المصالح والمشروع التوسعي، الذي ظهر واضحًا مع ما يتعامل به وكلاء النظام التركي.
ونوهت كريدي أن تركيا تتجنب المواجهة لأنها تخاف من ألا يكون ذلك في صالحها نتيجة الدعم العالمي لإسرائيل، الذي يرى في الوقت ذاته، أن المنطقة لن تتحمل ملامح "مشروع عثماني" على حد قولها، بهذا الشكل.
وأفادت بأن تركيا تحاول عدم ضياع مشروعها في وقت نموه بالمواجهة في ظل تصاعد أعداد الإيغور والتركستان والطاجيك والجنسيات المتعددة التابعة لها على الأراضي السورية في ظل تكريس أنقرة لوجودهم والاكتفاء بما وصلت إليه لاستكمال مشروعها بالمستقبل القريب، وعدم فقدانهم بالمواجهة مع إسرائيل.
وذكرت كريدي أن محاولة أنقرة للتهدئة دون مواجهة مع إسرائيل من أجل استكمال بقية أوراقها بالمنطقة بدلًا من صدام قد تستفيد منه أطراف أخرى في ظل مساعيها لتثبيت أمر واقع يدعم طموحاتها التوسعية أكبر ويجعلها تستغل الجماعات الموالية لأنقرة، للحصول على مواقع استراتيجية وحصص اقتصادية بسوريا.
بدوره أكد الباحث في العلاقات الدولية أحمد سعيد، أنه مثولًا للوساطة الأمريكية ستعمل تركيا على تراجع انتشارها في سوريا، وتراجع تمددها وعدم توسعة وجودها العسكري عبر الفصائل التابعة لها حتى لا تخسرهم عبر ضربات إسرائيلية، وهو ما وضح تأثيره مع الغارات الموجعة التي قامت بها إسرائيل في مطار حماة العسكري ومطار التيفور في حمص وأسقط خبراء وفنيين أتراك هناك.
وبيّن لـ"إرم نيوز"، أن أنقرة تدرك مدى ما تمتلكه إسرائيل من أدوات عدة في التعامل معها لا يتعلق فقط بما جرى في غارات حماة وحمص، ولكن هناك ما يذهب بقوة إلى تنشيط قوى عسكرية على صدام حدودي مع تركيا.
وذكر سعيد أن الأزمة التي تواجه تركيا في هذا الصدد والتي تريد التملص منها ما يخص العمل من جانب واشنطن على عدم وجود عناصر أجنبية في الحكومة السورية والمؤسسات في دمشق، لأن تركيز الولايات المتحدة في هذا الملف سيؤدي إلى خسارة أنقرة أهدافًا وأوراقًا من الممكن أن تتفاوض بها مستقبلًا حول مكاسب عدة تستهدفها في محيطها الإقليمي.
ولفت إلى أن فرص تركيا في التوصل لتفاهمات مع إسرائيل يكون برعاية ومتابعة أمريكية أمرًا قائمًا بالفعل، وهو ما وضح في إعلان وزير الخارجية التركي عدم الرغبة في الدخول بمواجهات مع إسرائيل، وهو ما قد يجعل هذه الفرص تلبي ما تتمسك به تل أبيب مبدئيًا بعودة جماعات وفصائل تابعة للسلطة في دمشق عن تحركات عسكرية في الجنوب الذي تستهدفه إسرائيل في الوقت الحالي.
وأضاف سعيد أن أنقرة لا تريد أن تخرج من سوريا وهي تعلم أن أي عناد أو استمرار بالنهج نفسه سيؤدي إلى ضرب قدرات هذه الفصائل، واستهداف شخصيات تركية ما زالت حاضرة في الداخل.