أثار قرار كل من بوركينا فاسو ومالي والنيجر بالانسحاب من المحكمة الجنائية الدولية جدلاً واسعًا على الصعيدين القانوني والسياسي، وسط انقسام داخل هذه الدول حول تداعيات الخطوة، وتحذيرات من "فراغ قانوني".
وجاء القرار، بحسب بيان مشترك للدول الثلاث، لينسحب بمفعول فوري، معتبرين أن المحكمة فشلت في التعامل مع جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة والعدوان، وعدم مقاضاة مرتكبيها بشكل عادل، ما دفع هذه الدول إلى القطيعة مع المؤسسات القضائية الغربية.
وتساءل مراقبون عن آثار الانسحاب على القضايا المتعلقة بهذه الدول المعروضة أمام المحكمة.
وأوضح الخبير في القانون الدولي، سلاما محمد بن ماماتا، أن تداعيات هذا الانسحاب تشمل، على وجه الخصوص، "إبعاد أنفسهم عن الإجراءات المستقبلية في المحكمة، لاعتقادهم أن هذه الهيئة لا تُحاكم المجرمين الحقيقيين بشكل كافٍ وأن هناك انتقائية".
ونفى الخبير في تصريح لـ"إرم نيوز" أن يكون للانسحاب تأثير على القضايا العالقة في المحكمة الجنائية، مؤكدًا أن المادة 127 من نظام روما تنص على أن الإجراءات العالقة ستبقى قائمة.
وأشار إلى أن تنفيذ الانسحاب يتم بموجب إشعار رسمي يوجَّه إلى المحكمة، ويبدأ سريانه بعد عام من إصداره وفق الخبراء القانونيين.
وتتجاوز تداعيات الانسحاب الحيز القانوني لتشمل صندوق الضحايا التابع للمحكمة الجنائية الدولية، الذي يقدم تعويضات فردية، ففي مالي استفادت مشاريع مثل تشييد نصب تذكاري، وافتتاح حظيرة مقبرة الشيخ سيدي المختار الكونتي، وورش صناعة المنتجات اليدوية بدعم من الصندوق ضمن إجراءات التعويض الاقتصادي.
كما تتضمن هذه العملية، التي من المقرر أن تنتهي في ديسمبر/ كانون الأول المقبل، تقديم الدعم النفسي للضحايا.
وأثارت خطوة كونفدرالية الساحل تساؤلات حول استمرار أنشطتها بعد انسحاب مالي من المحكمة الجنائية الدولية. وفي غياب هيئة قضائية مختصة بالنظر في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في الفضاء الكونفدرالي لتحالف دول الساحل، حذر خبراء من خلق "فراغ قانوني".
وردًا على ذلك، أشار الرئيس المالي الانتقالي الجنرال عاصيمي غويتا إلى أن الدول الأعضاء ستلجأ الآن إلى "آليات داخلية" لتعزيز السلام والعدالة، دون تحديد معالم هذه الآليات.
وفي يوليو (تموز) الماضي، أعلنت الدول الأعضاء في تحالف دول الساحل إنشاء المحكمة الجنائية وحقوق الإنسان لمنطقة الساحل، ويقع مقرها في باماكو.
بدورها، اعتبرت منظمة العفو الدولية أن انسحاب بوركينا فاسو ومالي والنيجر "خطوة مقلقة إلى الوراء في مكافحة الإفلات من العقاب في منطقة الساحل".
وقال مارسو سيفيو، المدير الإقليمي للمنظمة في غرب ووسط إفريقيا، إن هذه الخطوة "تشكل إهانة لضحايا وناجين من أخطر الجرائم، ولكل من يكافح ضد الإفلات من العقاب في هذه البلدان وحول العالم".
وتعتقد "أمنيستي" أن دخول الانسحاب حيز التنفيذ قد يضر بشكل كبير بفرص الضحايا والناجين من جرائم الحرب المستقبلية، والجرائم ضد الإنسانية أو الإبادة الجماعية في بلدان الساحل.
وطالبت جميع الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية بالدعوة بشكل عاجل إلى إعادة النظر فورًا في قرار مالي وبوركينا فاسو والنيجر بالانسحاب من نظام روما.