logo
العالم

حروب بالوكالة في الساحل الأفريقي.. روسيا والصين تتحديان هيمنة واشنطن

مسلحون في تشادالمصدر: (أ ف ب)

يعتبر توصيف المستشار الأمني الأمريكي الراحل زبغنيو بريجنسكي للحروب والنزاعات المشتعلة في الجغرافيا البعيدة عن مناطق المتصارعين الأصليين بأنها "حروب بالوكالة"، توصيفًا دقيقًا لمشهد الصراعات المشتعلة في دول منطقة الساحل الأفريقي، بعد أن صارت هدفًا للجماعات المتشددة وللأطماع الإقليمية والدولية.

وتؤكد التقارير الإستراتيجية أنّ منطقة الساحل الأفريقي وبحيرة تشاد باتتا تعجان بالقواعد العسكرية والشركات الأمنية الأجنبية التي تشتغل بشكل واضح وعلني لصالح الدول الكبرى.

فالمنطقة أضحت ساحة نفوذ عسكري وأمني واستخباراتي واسع للشركات الأمنية الروسية والصينية والأمريكية، وحتى الفرنسية التي لا تزال تحافظ على وجود هامشي بعد موجات الطرد التي لاحقتها من قِبل المجالس العسكرية في منطقة غرب أفريقيا.

أخبار ذات علاقة

الجيش التشادي

التجريد من الجنسية.. "سلاح سياسي" لأنظمة دول الساحل الأفريقي ضد الخصوم

عقيدة بريماكوف

ووفق مصادر غربية، فإنّ منطقة الساحل الأفريقي تحولت إلى ساحة خصبة للقوى الجديدة، وعلى رأسها روسيا والصين، اللتان تعتمدان إستراتيجية "التدخل الناعم" في طبيعة أنظمة الحُكم، غير أنها في المقابل أكثر تكلفة من حيث السيطرة على الموارد المنجمية والتعدينية.

وتشير المصادر إلى أنّ الشركات الأمنية والعسكرية الروسية، ومن بينها "فاغنر" التي صار اسمها "فيلق أفريقيا" تعتمد أساسًا "عقيدة بريماكوف"، نسبة إلى رئيس الوزراء ووزير الخارجية الأسبق يفغيني بريماكوف، والتي تقوم على ترسيخ التعددية القطبية، أي منع أمريكا من احتكار القوة والنفوذ، واستخدام المنافسات الداخلية وصراعات السلطة كوسائل لتحقيق الأهداف. وقد تم تطبيق هذه العقيدة بشكل شبه حرفي في منطقة الساحل الأفريقي.

كما تُسلط هذه التقارير الضوء على التغيرات الراديكالية التي حصلت في منطقة الساحل الإفريقي وبحيرة تشاد بخروج فرنسا والاتحاد الأوروبي، وتعويضهما بشكل شبه مباشر بالقوات الروسية "فاغنر"، التي تمثل امتدادًا عسكريًّا لموسكو وللكرملين ولبوتين شخصيًّا، حتى وإن كانت هذه القوات أقرب ما تكون للقوات الرديفة وشبه الرسمية للجيش الروسي.

حيث تساعد "فاغنر" المجالس العسكرية والقيادات السياسية الحاكمة الجديدة، والمدعومة من روسيا والمنزعجة من القوى الاستعمارية السابقة، في حربها ضد الجماعات المتشددة والميليشيات المسلحة التي تسعى إلى إسقاطها، بمقابل كبير يتمثل في تمكينها من استخراج الموارد لمصلحتها الاقتصادية والوصول إلى المواد الخام والموارد الثمينة التي تُوجَّه في نهاية المطاف إلى روسيا، بما يضمن منع وصول أوروبا إليها، وهو ما يشكل فائدة مزدوجة لموسكو.

ويؤكد الخبراء أنّ الهدف الإستراتيجي الأكبر لموسكو من وراء التدخل شبه المباشر في منطقة الساحل يكمن أساسًا في الوصول إلى الساحل الأطلسي، وبالتالي تعويض وجودها العسكري الحيوي في طرطوس واللاذقية الذي خسرته عقب سقوط نظام بشار الأسد.

ووقعت روسيا منذ 2015، 21 اتفاقية أمنية وعسكرية مع بضع دول إفريقية أهمها دول منطقة القرن الإفريقي ومنطقة الساحل، وهي: أنغولا، بوتسوانا، بوركينا فاسو، تشاد، إثيوبيا، غينيا، مدغشقر، نيجيريا، النيجر، سيراليون، تنزانيا، وزمبابوي.

الشركات الأمنية الصينية

من جهة أخرى، تتمركز الشركات الأمنية الصينية في إفريقيا عامة، ومنطقة الساحل على وجه الخصوص، في إطار سياسة "المهمات التاريخية الجديدة".

فرغم السرية التي تحيط بعمل بكين العسكري في إفريقيا، فإنها أنشأت في الفترة الأخيرة شركات أمنية تعمل خارج جيشها الرسمي، وذلك لحماية المصالح الاستثمارية الصينية، وفق تقارير غربية.

وتحمي هذه الشركات سلاسل التوريد البري والبحري للذهب الخام واليورانيوم والليثيوم وباقي المعادن الثمينة التي تستخرجها الشركات الصينية من مناجم دول الساحل الإفريقي وصولًا إلى الصين.

ورغم أنّ الصين عُرفت بسياسة وقائية حمائية، موغلة أحيانًا في التقوقع الجغرافي داخل حدودها، فإنها في سنة 2000 أقرت إستراتيجية وطنية أطلقت عليها تسمية "الخروج إلى العالمية"، وهي مبادرة تهدف إلى ولوج الأسواق العالمية والتوسع الناعم سواء أكان اقتصاديًّا أم سياسيًّا أم ثقافيًّا في دول "الخواصر الرخوة" للاستعمار القديم. وهي إستراتيجية فرضت على جيش التحرير الشعبي تغيير عقيدته العسكرية باعتباره في صُلب الرؤية الإستراتيجية للصين الجديدة.

وتكشف المصادر أنّه تم تكليف جيش التحرير الشعبي ليصبح قوة عالمية بهدف تعزيز هدف الصين المتعلق بتحقيق النهضة الكبرى للأمة الصينية بحلول 2049.

فرنسا على تخوم الساحل الأفريقي

أمّا فرنسا، فلا تزال تحافظ على وجود عسكري غير مباشر في غرب إفريقيا من خلال دعمها المباشر لقوتين: الأولى رسمية وهي الجيش الموريتاني، والثانية غير رسمية تتمثل في ميليشيا "أنتي بالاكا" في جمهورية إفريقيا الوسطى، المتاخمة لمنطقة الساحل الإفريقي.

وتشير المصادر إلى أنّ فرنسا تدعم ميليشيا "أنتي بالاكا" في صراعها ضد "السيليكا" ضمن حرب طائفية ودينية طاحنة بين المسلمين والمسيحيين في إفريقيا الوسطى، وقد أفضى هذا النزاع الداخلي إلى خسائر بشرية ومادية فادحة.

التواجد الفرنسي في أفريقيا

وتؤكد المصادر أنّ شركات أمنية ذات رأسمال فرنسي تشارك في القتال وتدعم طرفًا ضد آخر في حرب أهلية مشتعلة، زادت من الأزمات المركبة التي تعرفها دولة إفريقيا الوسطى.

وقد اتهم رئيس إفريقيا الوسطى الأسبق ميشال جوتوديا، بشكل مباشر، فرنسا بأنها كانت تموّل العصابات المسلحة لشراء الأسلحة ولتقويض استقرار بلاده وممارسة القتل والإرهاب العرقي.

الوجود العسكري الأمريكي

أمّا الولايات المتحدة الأمريكية، فلا تزال تحافظ على وجود عسكري في إفريقيا عامة، وفي منطقة الساحل على وجه الخصوص.

إذ كشف تقرير حديث صادر عن مركز الدراسات الدفاعية العالمية أنّ جهود الوجود العسكري الأمريكي في إفريقيا عام 2025 توسعت بشكل ملحوظ، حيث تستضيف القارة حوالي 29 قاعدة عسكرية أمريكية موزعة عبر 15 دولة. وتتمحور مهام هذه القواعد حول مكافحة الإرهاب، وتحقيق الاستقرار الإقليمي، والتصدي لنفوذ المنافسين العالميين.

وتتمركز الجهود الأمريكية لصد نفوذ المنافسين العالميين (الصين وروسيا) في مناطق شرق وغرب إفريقيا، وأهمها على الإطلاق تشاد والكاميرون والسنغال وغانا ومالي.

سوق المرتزقة مزدهرة جدًّا

في الأثناء، تمنح الدراسات المختصة في القضايا الإستراتيجية في إفريقيا ومنطقة الساحل خصوصًا، زوايا مهمة لفهم مشهد الحروب بالوكالة القائمة فعليًّا.

وتؤكد الدراسات أنّه في عام 2022 شاركت أكثر من 150 شركة أمنية وعسكرية في أنشطة بلغت قيمتها 223 مليار دولار. كما بلغت سوق المرتزقة والميليشيات والشركات الأمنية حوالي 100 مليار دولار في العام نفسه، وتشير التوقعات إلى أنّ سوق الشركات الأمنية سيتضاعف بحلول سنة 2030.

وتشير الدراسات إلى أنّ عمل الشركات الأمنية يتمركز في منطقة الساحل الإفريقي وبحيرة تشاد وغرب إفريقيا، مرجحةً احتمال تصاعد صراعات النفوذ خلال الأعوام القليلة المقبلة لعدة اعتبارات، أهمها الصراع المحتدم بين الولايات المتحدة والصين وروسيا في منطقة غرب إفريقيا.

 

 

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC