logo
العالم

"قنبلة موقوتة".. كيف تحولت ميليشيات بوركينا فاسو إلى وقود للإرهاب؟

جنود من جيش بوركينا فاسوالمصدر: الجزيرة

في قلب غرب أفريقيا، تعيش بوركينا فاسو على وقع حرب دامية مع جماعات متطرفة مرتبطة بالقاعدة وتنظيم داعش. 

هذه الجماعات تسيطر على مساحات واسعة، تستهدف المدنيين وقوات الأمن، وتفرض رؤيتها على طرق ومناطق حيوية.

الدولة، التي ينظر إليها الكثيرون باعتبارها فاسدة وعاجزة، وجدت نفسها أمام تهديد وجودي. وللتعامل مع هذه الأزمة، أطلقت الحكومة عام 2020 مبادرة "المتطوعون للدفاع عن الوطن" أو ما يعرف بميليشيا الـVDP، لتكون ذراعا شعبية تساعد الجيش المرهق في مواجهة التمرد المتصاعد.

أخبار ذات علاقة

تراوري أمام جنوده

بين تراوري وجعفر ديكو.. حرب النفوذ "تمزق" بوركينافاسو

نجاحات مؤقتة

وكشف "معهد أبحاث السياسة الخارجية" أن هذه الميليشيا وفرت في البداية دفعة معنوية وقوة بشرية إضافية مكّنت القوات المسلحة من استعادة بعض البلدات وتعزيز مشاركة المدنيين في المعركة.

لكن رغم النجاحات التكتيكية المحدودة، سرعان ما تحول المشروع إلى عبء استراتيجي خطير؛ فالميليشيا ضعيفة التسليح والتدريب، وغالبا ما تتعرض للهزائم أمام المتمردين، كما ارتكبت انتهاكات واسعة بحق المدنيين، بعضها بدوافع عرقية، وهذه الممارسات غذّت رواية المتطرفين بأنهم حماة المهمشين، خصوصا من قبائل الفولاني؛ ما عزز قدرتهم على التجنيد والتوسع.

من أنصار الإسلام إلى داعش الساحل

ويرى الخبراء أن الجذور تعود إلى عام 2016، حين أطلق الواعظ والإمام الذي ينتمي لقبيلة الفولاني، إبراهيم ديكو، جماعة "أنصار الإسلام" مستلهمًا تجربته في الحرب الأهلية بمالي، قبل أن يخلفه شقيقه جعفر ديكو، وهذه الجماعة سرعان ما نسجت تحالفا وثيقا مع تنظيم نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM)، لتصبح الجبهة البوركينية جزءا من حرب أوسع تمتد إلى مالي والنيجر وبنين وتوغو. 

واستغل ديكو التوترات بين الفولاني الرعاة مع جماعة "موسي" العرقية ذات الأغلبية الزراعية، متهما الدولة بالتحيز والفساد؛ ما جعل خطابه يجد صدى واسعا لدى المجتمعات المهمشة.

في المقابل، ظهر فرع آخر أكثر تشددا هو "ولاية الدولة الإسلامية في الساحل" (ISSP)، المنبثق عن انشقاقات في مالي والنيجر، ورغم تشابه أهدافه مع تنظيم نصرة الإسلام والمسلمين، إلَّا أن أساليبه أكثر عنفًا تجاه المدنيين؛ إذ يسعى لفرض رؤيته المتطرفة بسرعة أكبر، وجغرافيا، يتركز نفوذه في الشمال، لكنه لا يختلف كثيرا عن بقية الجماعات في سعيه لاقتلاع سلطة الدولة وإقامة نظامه الخاص.

أخبار ذات علاقة

جنود من بوركينا فاسو في منطقة الساحل

بوركينا فاسو.. هجمات جديدة تعقّد المشهد الأمني في الساحل الأفريقي

اليوم، يسيطر المتشددون بدرجات متفاوتة على نصف أراضي بوركينا فاسو تقريبا، مستغلين ضعف الدولة في الأرياف التي تضم نحو 70% من السكان، وهناك، أقاموا أنظمة عدالة بديلة، وحلّوا النزاعات المحلية، وفرضوا سلطتهم باعتبارهم أكثر فاعلية من حكومة واغادوغو البعيدة، ومع ارتفاع خسائر الجيش وتراجع معنوياته، برزت الميليشيا كخيار اضطراري لتعويض العجز البشري.

الميليشيا.. من أداة إنقاذ إلى مأزق

"حماة الوطن" وُلدوا من رحم هذه الأزمة؛ والهدف كان تجنيد وتسليح وتدريب المدنيين في وحدات محلية ووطنية بإشراف الجيش، لتأمين المجتمعات والمساعدة في جمع المعلومات، ومع الوقت، تضاعفت أعدادهم من بضعة آلاف إلى أكثر من 50 ألف مقاتل تحت قيادة المجلس العسكري الحالي برئاسة إبراهيم تراوري.

لكن سرعان ما ظهرت التحديات؛ فالتدريب الموعود لم يكتمل لمعظم المجندين، والأسلحة شحيحة، والرواتب غير منتظمة، والنتيجة: وحدات ضعيفة الفاعلية، منخفضة المعنويات، وفي بعض الأحيان منهارة أمام هجمات الايين، والأسوأ أن بعض اللجان المحلية منعت الفولاني من الانضمام، رغم أنهم الأكثر عرضة لهجمات المتطرفين، وهذا الإقصاء منح الجماعات المسلحة فرصة ذهبية للتغلغل في تلك المجتمعات.

انتكاسات ميدانية ومذابح دموية

ويرى مراقبون أن هناك بعض النجاحات تحققت، مثل استعادة بلدات شمالية عام 2020، وتراجع مؤقت في عدد الهجمات، لكن المنحنى عاد سريعا للصعود؛ فمنذ اعتماد الجيش أكثر على الميليشيا، زادت حصيلة العنف وامتدت سيطرة المتشددين إلى طرق رئيسة ومدن محاصرة مثل جيبو، حتى باتت العاصمة نفسها مهددة بالعزلة.

الأخطر أن الميليشيا تورطت في مذابح ضد مدنيين؛ ففي مارس 2025 مثلًا، قُتل 58 شخصا أعزل في إقليم بانوا على يد عناصر من "المتطوعون للدفاع عن الوطن"، وفي فبراير 2023، أُعدم مراهقون داخل قاعدة عسكرية بمشاركة الجيش والميليشيا، وهذه الجرائم، التي استهدفت في كثير من الأحيان الفولاني، قوّت دعاية المتطرفين وزادت عزلة الدولة.

تجربة بوركينا فاسو تكشف أن الميليشيات الشعبية يمكن أن تكون حلا قصير الأمد، لكنها تحمل مخاطر كبيرة إذا غابت عنها الرقابة والتدريب والموارد؛ فهي قد تملأ الفراغ الأمني وتمنع تمدد المتمردين في بعض المناطق، لكنها أيضا قد تتحول إلى وقود للإرهاب إذا انزلقت إلى انتهاكات أو صراعات إثنية.

الدرس الأبرز أن مواجهة التمرد لا تتعلق فقط بالسلاح، بل بكيفية إدارة العلاقة مع المدنيين؛ فحينما تتحول "قوات الشعب" إلى قنبلة موقوتة، يصبح الأمن نفسه جزءا من المشكلة لا الحل.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC