تشهد بوركينا فاسو صراعًا غير تقليدي يتجاوز حدود السياسة، بين جنرال في السلطة وزعيم جماعة مسلحة.
ويتحول النزاع في البلاد إلى مواجهة عائلية مفتوحة تقودها عائلتان متنافستان، لكلٍّ منهما مشروعه ورؤيته، وأدواته الخاصة في الحرب والنفوذ.
ولا يُدار هذا الصراع الدموي فقط بالبندقية، بل بالمعلومات والدعاية والتحالفات العائلية، فيما يدفع المدنيون الثمن الأكبر لهذه الحرب المتشعبة.
وفي تقرير نشرته مجلة "جون أفريك" الفرنسية، كشفت المجلة عن الطبيعة المعقدة للصراع الدائر، مشيرة إلى أن ما يجري لم يعد مجرّد مواجهة بين حكومة انتقالية وجماعات متطرفة، بل صراع بين عائلتين نافذتين: عائلة الرئيس الانتقالي إبراهيم تراوري، وعائلة القيادي جعفر ديكو.
وجعفر ديكو، زعيم كتيبة "أنصار الإسلام" التابعة لتنظيم "نصرة الإسلام والمسلمين" (JNIM)، ظهر في تسجيل نادر، بوجه مغطى ونظارات داكنة، دعا فيه إلى إسقاط ما وصفه بـ"النظام المجرم" في واغادوغو.
وأكد ديكو، أن استقرار البلاد لا يمكن أن يتحقق إلا عبر قيادة "تنطلق من صميم الأمة المسلمة"، في إشارة واضحة إلى مشروعه البديل القائم على الحكم الديني المسلح.
وجاءت تصريحاته بعد هجوم مروّع نفذته جماعته في أبريل/نيسان الماضي على معسكر "دياباغا" شرق البلاد، وأدى إلى مقتل 30 جنديًا و22 من المتطوعين المساندين للجيش، في واحدة من أكثر الهجمات دموية خلال العام الجاري.
وبحسب جون أفريك، فإن جعفر ديكو لا يخوض هذه المعركة وحده.
إلى جانبه يقف شقيقه الأصغر عثمان ديكو، الذي يلعب دور المحرك الإعلامي والدعائي للجماعة، مستعينًا بأدوات متطورة كالفيديوهات المفبركة بتقنية الذكاء الاصطناعي، والتي تستخدم شخصيات عالمية شهيرة مثل بيونسيه وR. Kelly لبث رسائل تعبئة وترويج لزعامة جعفر.
وهذه الاستراتيجية الإعلامية المتقدمة تقابلها استراتيجية سياسية وأمنية يقودها الرئيس إبراهيم تراوري بمساعدة شقيقيه، كاسوم وإنوسا تراوري.
وكاسوم الذي كان يعمل سابقًا في "إكسبيرتيز فرانس"، يدير اليوم خلية دعاية النظام المعروفة باسم "BIR-C"، والمسؤولة عن تعبئة النشطاء الرقميين المعروفين بـ"الواييان"، بالإضافة إلى مشاركته في نشاطات تجارية مرتبطة بتصدير الذهب خارج القنوات الرسمية.
أما إنوسا تراوري، الحاصل على دكتوراه في الاقتصاد، فيدير الوكالة الوطنية لتقنيات المعلومات، ويشرف على إدارة مشاريع اقتصادية حيوية، أبرزها بنك ودائع الخزينة (BDT)، الذي أُوكلت إليه منذ مارس الماضي إدارة ربع ودائع المؤسسات العامة لدى البنوك، في محاولة لسد عجز الدولة المتزايد بفعل تضخم النفقات العسكرية.
ورغم المكاسب الميدانية التي حققتها جماعة ديكو في الشمال والشرق، لا تزال العاصمة واغادوغو ومنطقة الهضاب الوسطى تحت سيطرة الحكومة.
ومع ذلك، فإن المجلة خلصت إلى أن أياً من الطرفين لم يتمكن من حسم المعركة، في ظل استمرار حالة الاستنزاف.
وبين مطرقة الجماعات الجهادية وسندان العسكرة، تبقى الشعوب، كما أكدت جون أفريك، هي الضحية الأولى لهذا الصراع الذي تتحكم فيه روابط الدم أكثر من حسابات الدولة أو التنظيم.