logo
العالم
خاص

السلام ومعركة المعادن.. واشنطن تعيد ضبط ميزان القوى بين الكونغو ورواندا

ترامب مع وزيري خارجية رواندا والكونغوالمصدر: رويترز

منذ أسابيع، تتحرك الدبلوماسية الأمريكية في مسار غير معلن، لدفع رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسيكيدي ونظيره الرواندي بول كاغامي إلى واشنطن لتوقيع اتفاق سلام جديد.  

أخبار ذات علاقة

ترامب يوقع بطاقة تهنئة لرواندا والكونغو الديمقراطية بعد اتفاق سلام

لتثبيت السلام.. ترامب يستضيف زعيمي رواندا والكونغو الديمقراطية

الحدث يبدو ظاهريًا امتدادًا لمحاولات سابقة لاحتواء جولة العنف الأخيرة التي قادتها حركة "إم 23" في شرق الكونغو، لكن النقاش في العواصم المعنية لا يتوقف عند حدود وقف إطلاق النار، فثمة ما هو أعمق، وأكثر استراتيجية، يتعلق بمستقبل المنطقة وبمكانها في سباق المعادن الحيوية الذي يجتاح العالم.

توازن أمني اقتصادي

مصادر دبلوماسية غربية كشفت لـ"إرم نيوز" أن الولايات المتحدة تتعامل مع الاتفاق باعتباره جزءًا من "إعادة ضبط أكبر" للبيئة الأمنية الاقتصادية في منطقة البحيرات العظمى، بما يضمن وصولًا مستقرًا للمواد الخام التي تعتمد عليها الصناعات التكنولوجية الأمريكية والأوروبية. 

بين الليثيوم والكوبالت والكولتان والذهب والنحاس، تتشكل خريطة جيواقتصادية لا يمكن لواشنطن أن تغضّ الطرف عنها، خاصة بعد صعود منافسين دوليين في قطاع التعدين الإفريقي خلال السنوات الأخيرة.

هذا البعد الاقتصادي يبدو اليوم أكثر وضوحًا، فمنذ مطلع العام، كشفت تقارير لشركات استشارات غربية أن الطلب العالمي على معادن البطاريات سيتضاعف أربع مرات بحلول 2035.

ومن دون شرق الكونغو، يصعب على أي سلسلة توريد غربية الصمود أمام المنافسين. لذلك، يبدو توقيت الاتفاق أكثر من مصادفة، خصوصًا مع اتساع نفوذ حركة "إم 23" وسيطرتها على مدينتين رئيستين في الشمال الشرقي، وما أثاره ذلك من مخاوف دولية من انزلاق المنطقة إلى حرب إقليمية تشبه موجات العقد الأول من الألفية.

مصدر دبلوماسي أكد أن واشنطن قدّمت للطرفين "حزمة ضمانات" تتمثل في دعم إنشاء مركز مراقبة أمني–تقني مشترك يمكّن من تتبع نشاط الجماعات المسلحة على جانبي الحدود، خصوصًا "القوات الديمقراطية لتحرير رواندا"، التي تشكّل بندًا حساسًا في خطابات كيغالي منذ سنوات.

الفكرة، كما يقول المصدر، تهدف إلى توفير منصة "محايدة" تسمح بالتنسيق الأمني دون المساس بما تعتبره كل دولة "خطوطها السيادية الحمراء".

مسارات لوجستية جديدة

في المقابل، تعهدت رواندا، وفق المعلومات المتطابقة من مصدرين آخرين، بإعادة تقييم علاقتها الميدانية مع حركة "إم 23". 

هذا التعهّد لا يعني، بحسب المصدر، "انسحابًا فوريًا" أو "تفكيكًا للحركة"، لكنه يفتح نافذة لتحجيم عملياتها مقابل تقدم حقيقي في المسار السياسي.

على المستوى الاقتصادي، تبحث واشنطن مع الطرفين إنشاء ممر لوجستي جديد يربط المناجم الكونغولية بشبكات نقل تتفادى المناطق غير المستقرة. 

المقترح، الذي لا تزال تفاصيله موضع نقاش؛ يتضمن دعمًا أمريكيًا لبنى تحتية قادرة على نقل المواد الخام من مواقع الاستخراج إلى مرافئ آمنة، ما يعني عمليًا أن واشنطن تؤسس لتأمين الطريق التجاري الذي تعتمد عليه شركاتها وشركات أوروبا. 

أخبار ذات علاقة

جنود من جمهورية الكونغو

الذعر يحكم شرق الكونغو.. اتفاق كينشاسا و"إم23" يعجز عن إيقاف الرصاص

وقال مصدر دبلوماسي أمريكي لـ"إرم نيوز" إنّ واشنطن تتعامل مع الاتفاق المرتقب بين الكونغو ورواندا باعتباره خطوة ضرورية لضبط البيئة الأمنية في واحدة من أكثر مناطق إفريقيا حساسية بالنسبة لسلاسل التوريد العالمية.

وأوضح أن الإدارة الأمريكية ترى أنّ استمرار التوتر في شرق الكونغو "لا يهدد الاستقرار الإقليمي هناك فحسب، بل يؤثر أيضًا على قدرة الشركات الأمريكية والأوروبية على الوصول إلى المعادن الحيوية التي تحتاجها الصناعات التكنولوجية الحديثة".

وأضاف المصدر - وهو مسؤول في فريق السياسة الإفريقية بمجلس الأمن القومي الأمريكي - أن البيت الأبيض يدرك أنّ المعركة على موارد المستقبل أصبحت أكثر وضوحًا، وأنّ حسمها يحتاج إلى شراكات مستقرة، وليس إلى تفاهمات عابرة. 

وفي هذا السياق، شدّد على أنّ اللقاء المرتقب في واشنطن "ليس محاولة لفرض تسوية على أيّ طرف"، إنما هو "جهد يستند إلى قناعة بأنّ المصالح الأمنية والاقتصادية للمنطقة يمكن أن تتقاطع مع مصالح المجتمع الدولي حين تتوفّر ضمانات واضحة".

وتابع قائلًا إن واشنطن "قدّمت للطرفين تصورًا عمليًا لإنشاء آلية مراقبة مشتركة مدعومة بتكنولوجيا أمريكية، تسمح بمتابعة نشاط الجماعات المسلحة وتقدّم صورة دقيقة عن الالتزامات الميدانية".

ووفق حديثه، فقد اتُّفق مبدئيًا على أن تُبنى الآلية بشكل "يحفظ السيادة الكاملة لكل دولة، ويمنع أي التباس بشأن النفوذ العسكري أو الإداري داخل الحدود". 

أخبار ذات علاقة

عناصر حركة "23 مارس" المتمردة

الكونغو الديمقراطية وحركة "23 مارس" توقعان اتفاقية إطارية للسلام

وكشف المصدر أنّ واشنطن أبلغت كلًا من كيغالي وكينشاسا بأنّ نجاح الاتفاق سيُترجم مباشرةً بزيادة الاستثمارات الأمريكية والغربية في قطاع التعدين والبنى التحتية، مشيرًا إلى أن الإدارة الأمريكية تبحث منذ أشهر عن مسارات نقل آمنة للمواد الخام، بعدما أدت التوترات إلى تعطيل خطوط الإمداد وتباطؤ دخول شركات جديدة إلى المنطقة.

وأردف قائلًا إنّ الولايات المتحدة "لا تنظر إلى رواندا أو الكونغو من زاوية المنتصر والخاسر"، بل ترى أن "التفاهم بين الطرفين سيوفر بيئة أكثر استقرارًا، لا يمكن لأي مشروع اقتصادي كبير أن ينجح دونها". 

وتابع قائلًا إن واشنطن "لن تتساهل مع أي خرق جوهري للاتفاق"، لكنها في الوقت نفسه "لا ترغب في الظهور كطرف يفرض عقوبات أو يملي سلوكًا سياديًا".

وذكر المصدر أنّ الهدف الأمريكي هو خلق مساحة يمكن من خلالها تخفيف التوترات، وتوفير ضمانات واقعية لشركات التكنولوجيا والطاقة التي تعتمد على المعادن النادرة، دون تحويل المنطقة إلى ساحة تنافس دولي غير قابل للضبط.

وأكد أن المرحلة المقبلة ستكون اختبارًا لقدرة الأطراف الثلاثة على تطبيق ما تم الاتفاق عليه في واشنطن، وتحويله إلى واقع ملموس على الأرض.

عودة واشنطن إلى إفريقيا

من جانبه يرى الخبير في شؤون البحيرات العظمى، أليكس موغابيري، أن واشنطن تتعامل مع النزاع الحالي باعتباره "نافذة اختبار" لعودتها إلى إفريقيا في سياق التنافس الجيوسياسي العالمي. 

أخبار ذات علاقة

فيليكس تشيسكيدي وبول كاغامي

"مهزلة سياسية".. رواندا تسخر من دعوة الرئيس الكونغولي للسلام

واعتبر موغابيري خلال حديثه لـ"إرم نيوز" أن الولايات المتحدة "لا تريد الانجرار إلى صراع مسلح أو دعم طرف ضد آخر، لكنها أيضًا لا ترغب في ترك فراغ يسمح لقوى أخرى بفرض قواعد اللعبة في قطاع المعادن النادرة". 

وقال: لهذا، تبدو مساعي السلام الحالية جزءًا من رؤية أمريكية أوسع تتعلق بإعادة هيكلة العلاقات الاقتصادية داخل المنطقة.

كما يرجح أن الإدارة الأمريكية قد تتجه نحو بناء ترتيبات طويلة الأمد تمنع تكرار انهيار اتفاقات سابقة، خصوصًا تلك التي وُلدت تحت ضغط عسكري أو ظروف ميدانية متوترة.

ويوضح موغابيري أنّ واشنطن تحاول اختبار مقاربة جديدة تقوم على "إعادة توازن القوة" بين رواندا والكونغو بدلًا من محاولة فصل الطرفين عن بعضهما كما جرى في تجارب سابقة. فوفق رأيه، يعكس المسار الحالي رغبة في وضع قواعد مشتركة، وليس مجرد نزع فتيل أزمة طارئة.

بين التعدين والأمن

من جهتها، تعتقد الباحثة المتخصصة في التعدين الاستراتيجي، روزيندا نيامبا، خلال حديثها لـ"إرم نيوز" أن واشنطن تدرك هشاشة البنى اللوجستية في شرق الكونغو، وترى أن أي استثمار ضخم لا يمكن أن ينجح دون ترتيبات أمنية ثابتة.

وتضيف أن الولايات المتحدة تحاول خلق نمط تعاون تكون فيه رواندا شريكًا أمنيًا والكونغو شريكًا تعدينيًا، بما يسمح بتحييد أثر الجماعات المسلحة، وهو ما لم تحققه أي قوة دولية حتى الآن. 

أخبار ذات علاقة

خلال توقيع اتفاق السلام بين رواندا والكونغو

خبراء: غياب شرطين أفسدا اتفاق السلام الأمريكي بين الكونغو ورواندا

وتشدد نيامبا على أن البعد الاقتصادي في الاتفاق "أعمق بكثير مما يبدو في التصريحات الرسمية"، موضحةً أنّ شركات التكنولوجيا والطاقة النظيفة في الولايات المتحدة تدخل حاليًا في مرحلة إعادة رسم خرائط التوريد، وأن شرق الكونغو يشكّل نقطة ارتكاز لا يمكن الاستغناء عنها. 

وتوضح أنّ شركات كبرى في قطاعات البطاريات والسيارات الكهربائية "تضغط منذ شهور لخلق بيئة استثمارية آمنة تسمح بتوقيع عقود طويلة الأمد"، وأن واشنطن تعتبر نجاح الاتفاق السياسي ركنًا أساسيًا لهذا المسار.

وتضيف نيامبا أن أهمية الاتفاق تتضاعف مع صعود الطلب العالمي على المعادن الحساسة، خصوصًا الليثيوم والكوبالت، إذ يشكّل شرق الكونغو واحدًا من آخر الأماكن في العالم التي يمكن فيها ضمان إمدادات مستقرة من هذه المعادن بأسعار قابلة للتفاوض. 

وتلفت إلى أن الولايات المتحدة "لا تنظر فقط إلى الموارد الخام"، بل إلى إمكانية تطوير سلاسل تصنيع أولية داخل المنطقة، بما يسمح بتقليل الكلفة اللوجستية وخلق شراكات جديدة تتجاوز النموذج التقليدي القائم على استخراج المعادن وشحنها فقط.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC