الكرملين: بوتين يجتمع مع كيم ويشكره على دعمه للجيش الروسي
في خطوة وصفها مراقبون بأنها قد تشكل نقطة تحول في الأمن الإقليمي، كشف رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ورئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيبا، في أواخر أغسطس/آب، عن إعلان مشترك بشأن التعاون الأمني بين الهند واليابان.
هذا الإعلان يمثل الانتقال من مجرد شراكة استراتيجية رمزية إلى إطار عمل واسع النطاق ومنظم، يعكس نضوج العلاقات بين البلدين، ويعزز دورهما كشريكين لا غنى عنهما في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
تأتي هذه القفزة في وقت تواجه فيه كل من الهند واليابان تحديات أمنية معقدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، بدءا من السلوك القسري والعسكرة في بحر الصين الشرقي والجنوبي، مرورا بالإرهاب العابر للحدود في جنوب آسيا، وصولًا إلى التطورات التكنولوجية العسكرية الحديثة مثل الطائرات المُسيّرة والحروب السيبرانية، بحسب صحيفة "يوراسيان تايمز".
كما يدرك البلدان مخاطر الإكراه الاقتصادي ونقاط الضعف في سلاسل التوريد؛ ما يجعل الأمن يشمل اليوم الاقتصاد والتكنولوجيا والفضاء الإلكتروني والفضاء الخارجي؛ وهو ما يعكسه الإعلان الجديد.
أبرز ما يميز الإعلان هو التركيز على بناء التوافق التشغيلي بين القوات المسلحة الهندية وقوات الدفاع عن النفس اليابانية، من خلال توسيع التدريبات الثنائية وتعقيدها، وإجراء تدريبات مشتركة بين القوات المسلحة الثلاث، بالإضافة إلى فتح حوار شامل بين هيئات الأركان المشتركة لكل طرف.
كما يشمل التعاون وحدات العمليات الخاصة، والتدريبات الإنسانية والإغاثة من الكوارث، والتعاون في مكافحة الإرهاب والدفاع السيبراني؛ ما يعكس تحول الشراكة من التعاون البحري إلى التعاون البري والجوي ومتعدد المجالات.
إضافة إلى ذلك، تهدف الخطة إلى الاستفادة من اتفاقية التوفير المتبادل للإمدادات والخدمات للسماح بالدعم اللوجستي لقوات كل طرف؛ ما قد يتيح وصول السفن الحربية الهندية إلى القواعد اليابانية أو قيام السفن اليابانية بالتزود بالوقود في الموانئ الهندية؛ ما يعزز النطاق العملياتي لكليهما.
وتشير "يوراسيان تايمز" إلى أن الأمن البحري يشكل محور التعاون بين الهند واليابان، مع التركيز على زيارات الموانئ، وتنسيق الدوريات، وتعزيز تبادل المعلومات، بالإضافة إلى استخدام مركز دمج المعلومات الهندي - منطقة المحيط الهندي ومشاركة اليابان في شراكة المحيطين الهندي والهادئ للتوعية بالمجال البحري، لبناء صورة بحرية مشتركة ورصد الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية، بما فيها القرصنة والتهريب.
كما يربط الإعلان، الأمن البحري بالقدرة على مواجهة الكوارث الطبيعية، عبر التعاون متعدد الأطراف لتعزيز البنية التحتية لمواجهة الكوارث؛ ما يضيف بُعدا إنسانيا يعزز الشرعية والتأييد الإقليمي.
ويولي الإعلان أهمية كبيرة للتعاون في الصناعات الدفاعية، بما في ذلك التطوير والإنتاج المشترك للتقنيات المتقدمة.
وتشمل المجالات المحتملة الطب العسكري، والدفاع الكيميائي والإشعاعي، والأمن السيبراني، والذكاء الاصطناعي، والروبوتات.
كما يرتبط التعاون الدفاعي بالأمن الاقتصادي، عبر شراكات في المعادن الحيوية وضوابط التصدير وسلاسل التوريد المرنة؛ ما يعكس التكامل بين الأمن والدور الجيواقتصادي للبلدين.
ويتضمن الإعلان التركيز على التهديدات غير التقليدية مثل الإرهاب والتطرف الراديكالي، بما في ذلك تبادل المعلومات الاستخباراتية الرقمية واستخدام الأنظمة غير المأهولة.
كما يوسع التعاون في مجالات الذكاء الاصطناعي، والحوسبة الكمومية، وأشباه الموصلات، والوعي الفضائي، والتكنولوجيا الحيوية، مع إدراك أن من يهيمن على هذه المجالات سيشكل نظام الأمن المستقبلي.
وتستفيد الهند من منظومة التكنولوجيا اليابانية المتقدمة، بينما تستفيد اليابان من حجم الهند وثروتها البشرية واقتصادها الرقمي المتطور.
تتجاوز الشراكة الثنائية لتضع التعاون في إطار متعدد الأطراف، عبر دعم مركزية رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، والرباعية، ورؤية رابطة دول جنوب شرق آسيا لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ.
كما يشدد البلدان على الاستثمار عالي الجودة في البنية التحتية كبديل للمشاريع التي قد تضعف السيادة أو تؤدي للاعتماد على الديون.
وعلى المستوى العالمي، يدعم البلدان إصلاح مجلس الأمن، وتوسيع العضوية الدائمة وغير الدائمة، بما يشمل ترشيح بعضهما بعضا للمقاعد الدائمة، مع الالتزام بمنع الانتشار النووي ونزع السلاح، ودعم انضمام الهند إلى مجموعة موردي المواد النووية.
كما يُدين الإعلان جميع أشكال الإرهاب، بما في ذلك العابر للحدود، ويدعو لوقف الدعم المالي والمادي للشبكات الإرهابية، مع الدعوة لاعتماد الاتفاقية الشاملة بشأن الإرهاب الدولي في الأمم المتحدة.
ويعزز هذا التحالف موقف الهند الدبلوماسي في مواجهة الإرهاب، بينما يمثل لليابان تحولًا نحو تضامن سياسي أكبر مع الهند في جنوب آسيا.
يؤسس الإعلان لعلاقة مؤسسية متينة، عبر الحوارات السنوية بين مستشاري الأمن القومي، ومنتدى الصناعات الدفاعية الهندي الياباني، والمشاورات الدورية بين خفر السواحل، بالإضافة إلى الحوار الوزاري 2+2 بين وزيري الخارجية والدفاع، لضمان الاستمرارية والقدرة على التنبؤ بالشراكة وحمايتها من التغيرات السياسية أو الجمود البيروقراطي.
كما يشمل الإعلان مجالات الدفاع التقليدي، والأمن السيبراني، والفضاء، والتقنيات الحيوية، وينجح فقط عبر التنفيذ الفعلي.
ورغم البطء البيروقراطي في الهند وقيود الدستور الياباني المسالم، يظهر الزخم واضحا، حيث تنتقل الهند واليابان من كونهما "ديمقراطيتين متشابهتين في التفكير" إلى شراكة عملية ومستدامة.
ويمثل الإعلان المشترك للتعاون الأمني خارطة طريق لقوتين آسيويتين لتأمين بحارهما وحماية اقتصادهما والاستعداد لتقنيات المستقبل.
وتُعد رسالة الإعلان الواضحة، هي أن التعاون الأمني بين الهند واليابان لم يعد خيارا، بل أصبح ضرورة وجودية لضمان استقرار منطقة المحيطين الهندي والهادئ.