أعلن وزير الاتحاد الهندي كيرتي فاردان سينغ في نيودلهي خلال مؤتمر الأعمال الهندي-الأفريقي العشرين عن تخطي التجارة الثنائية بين الهند وأفريقيا حاجز الـ100 مليار دولار خلال العام المالي 2024-2025، مسجّلة نموًا مذهلاً بنسبة 78% مقارنة بعام 2019-2020.
هذا الإنجاز يعكس تحولًا إستراتيجيًا كبيرًا من شراكات تقليدية إلى نموذج "خلق مستقبل مشترك"، ويضع الهند بين أكبر 5 مستثمرين في القارة إلى جانب الصين، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والمملكة المتحدة.
تجاوز الرقم المئوي لا يعكس النجاح التجاري فحسب، بل يشير إلى تطور أعمق في العلاقات بين الهند وأفريقيا، حيث أصبح الطرفان يعملان معًا لتشكيل السرديات الاقتصادية والسياسية العالمية بعيدًا عن الهيمنة الغربية.
وقال سينغ: "الهند تجاوزت الرقم السحري 100 مليار دولار رغم التحديات العالمية من جائحة كوفيد، اضطرابات سلاسل الإمداد، والتوترات الجيوسياسية".
من ناحية أخرى، تجاوزت الاستثمارات الهندية المتراكمة في أفريقيا 75 مليار دولار منذ العام 1996، ما يؤكد التزام الهند الاستراتيجي طويل الأمد بالقارة، والذي ينعكس عبر دعم المشاريع التنموية، بناء القدرات، نقل التكنولوجيا، والمساعدات الإنسانية بقيمة أكثر من 12 مليار دولار كقروض تفضيلية و700 مليون دولار كمساعدات غير مستردة.
كما منحت الهند أكثر من 50 ألف منحة دراسية للشباب الأفريقي، استخدم أكثر من 42 ألفًا منها، ما أسس لجسور معرفية وثيقة بين القارتين.
جاء هذا الإنجاز في سياق قيادة الهند لدعم عضوية الاتحاد الأفريقي الدائمة في مجموعة العشرين خلال رئاسة الهند 2023، وهو إنجاز دبلوماسي رفع صوت أفريقيا في الهيئات العالمية.
وأكد سينغ: "ركزنا على مكانة أفريقيا المستحقة على الطاولة العالمية"، مما يعكس استراتيجية الهند للريادة ضمن دول الجنوب وتعزيز مصالحها في المنتديات الدولية.
تتعدى العلاقة التجارية التقليدية في السلع الخام لتشمل، الآن، السلع المصنعة والخدمات والتكنولوجيا. الهند توفر وصولًا معفيًا من الرسوم لنحو 98.2% من خطوطها الجمركية لـ33 دولة أفريقية الأقل نموًا، ما عزز صادراتها ودمجها في سلاسل القيمة العالمية.
كما تمنح اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية الشركات الهندية فرصة التوسع القاري، وهو ما قد يسهم في مضاعفة حجم التجارة إلى 200 مليار دولار خلال 7 سنوات، بحسب وزير التجارة بيوش غويال.
ويربط مشروع "Pan African e-Network 54" دولة أفريقية بالهند عبر الأقمار الصناعية والألياف البصرية، موفّرًا خدمات التعليم عن بُعد والطب عن بُعد، ويجسد نموذجًا فريدًا لنقل التكنولوجيا وبناء القدرات المحلية.
وتشمل مجالات التعاون المستقبلي: الذكاء الاصطناعي، البلوك تشين، إنترنت الأشياء، والطاقة المتجددة، مستغلة خبرة الهند في الحلول التكنولوجية منخفضة التكلفة، واحتياجات البنية التحتية الرقمية الأفريقية المتنامية.
وتدعم الهند مشاريع الطاقة الشمسية في أفريقيا من خلال التحالف الدولي للطاقة الشمسية والمبادرات المحلية لتطوير البنية التحتية للطاقة المتجددة، مستغلة خبرتها في مشاريع كبرى مثل "Rewa Ultra Mega Solar Park"، لتوفير حلول طاقة فعالة وميسّرة ماليًا للقارة.
تستند العلاقات الهندية-الأفريقية إلى دعم الهند لحركات الاستقلال في أفريقيا، وتاريخ من النضال المشترك ضد الاستعمار؛ حيث يقدّر عدد الهنود المقيمين في أفريقيا بأكثر من 2.7 مليون نسمة، يعملون كجسور ثقافية وتجارية، مما يعزز فرص التعاون الاقتصادي المستدام.
وتواجه رغم النمو الكبير، الهند منافسة قوية من الصين، التي تجاوزت تجارتها مع أفريقيا 250 مليار دولار في 2021، بالإضافة إلى الاهتمام الغربي المستمر بالقارة.
وتعتمد الهند على بناء القدرات ونقل التكنولوجيا، وهو نهج أكثر استدامة لكنه يتحدى قدرة الصين على التمويل والبنية التحتية الفورية.
تركز المرحلة المقبلة على الابتكار المالي، التصنيع المشترك، الرعاية الصحية، التعليم وبناء المهارات؛ كما يوفر التنوع الإقليمي والشراكات الثنائية والإقليمية والهندية-الأفريقية متعدد المسارات فرصًا لتوسيع التعاون، وتجنب الاعتماد على جهة واحدة.
تجاوز التجارة الـ100 مليار دولار ليس مجرد رقم، بل رمز لشراكة جنوب-جنوبية جديدة تعتمد على التعاون المتبادل، الابتكار التكنولوجي، والتنمية البشرية.
كما أكد وزير الهند كيرتي فاردان سينغ: "الهند وأفريقيا يشكلان شراكة قوية لخلق مستقبل مشترك، مبني على الثقة والجهود التعاونية".
مع استمرار الالتزام، يمكن لهذه الشراكة أن تصبح من أهم وأكثر العلاقات التحويلية في القرن الحادي والعشرين، مؤكدة دور الهند كقوة اقتصادية ودبلوماسية مؤثرة في أفريقيا والعالم.