في خطوة تُعيد تشكيل موازين الطاقة في القارة السمراء، رحّبت غرفة الطاقة الأفريقية بالعودة الوشيكة لشركة "بتروبراس" البرازيلية المملوكة للدولة إلى نيجيريا، بعد توقف دام خمس سنوات.
وتأتي العودة تزامنا مع زيارة الرئيس النيجيري بولا أحمد تينوبو إلى برازيليا، والتي شهدت توقيع خمس مذكرات تفاهم شملت مجالات التجارة والطاقة والطيران والعلوم والتمويل، لتُعلن بداية فصل جديد من العلاقات بين أكبر اقتصاد أفريقي وأقوى لاعب لاتيني في صناعة النفط.
تُعد نيجيريا أكبر منتج للنفط في أفريقيا، وتجلس على احتياطيات هائلة من الغاز الطبيعي غير المستغل تُقدّر بنحو 210 تريليونات قدم مكعبة، وفقا لشركة البترول الوطنية النيجيرية ومنظمة أوبك.
ومن هنا تبرز "بتروبراس" بخبرتها الكبيرة في استكشاف المياه العميقة وتطوير الغاز وكفاءتها التشغيلية كقوة قادرة على تسريع استغلال هذه الثروة وتحويلها إلى رافعة اقتصادية.
من جانبه، وصف رئيس غرفة الطاقة الأفريقية، إن جيه أيوك، هذه العودة بأنها "لحظة تاريخية تُعيد الثقة العالمية في قطاع الطاقة الأفريقي"، مؤكدا أن الشراكة مع شركة بحجم "بتروبراس" ستضمن تطوير الموارد الأفريقية بطريقة مربحة ومستدامة.
وتُبشّر عودة "بتروبراس" بتحولات ملموسة في الاقتصاد النيجيري؛ فهي تفتح الباب أمام تطوير المحتوى المحلي وتعزيز قدرات البلاد في خدمات حقول النفط والتصنيع، كما تتيح نقل التكنولوجيا المتقدمة في مجالات الحفر في المياه العميقة واستغلال الغاز بكفاءة عالية، بحسب موقع "غرفة الطاقة الأفريقية".
يوفّر قطاع النفط والغاز في نيجيريا بالفعل نحو 17% من الناتج المحلي الإجمالي و90% من عائدات التصدير وفق البنك الدولي (2024)، ومع دخول بتروبراس من جديد، فإن فرص العمل والنمو الصناعي مرشحة للارتفاع بقوة.
كما أن تحرير احتياطيات الغاز سيسهم في دعم مبادرة "عقد الغاز" (2020–2030)؛ ما يُمكّن نيجيريا من تلبية احتياجاتها الداخلية وتصدير الفائض، في وقت يفتقر فيه أكثر من 600 مليون أفريقي إلى الكهرباء وفق وكالة الطاقة الدولية (2023).
ورغم أن الطاقة تظل محور الاتفاقيات، إلا أن التعاون يمتد إلى قطاعات أخرى تشمل الصحة والأدوية والطاقة المتجددة والتصنيع، وهي مجالات ترتبط مباشرة بالتحول الاقتصادي المستدام.
وشهد أيضا قطاع الطيران دفعة قوية مع إطلاق شركة "إير بيس" رحلات مباشرة من لاغوس إلى ساو باولو، في خطوة ستعزز الروابط بين الشعوب وتُسهّل التبادلات التجارية.
ورغم أن خارطة طريق استثمارات بتروبراس لم تُستكمل بعد، إلا أن التوجه نحو أفريقيا يُجسد تحوّلا استراتيجيا أوسع، خصوصا وأن نيجيريا والبرازيل عضوان في مجموعة العشرين وحوار البريكس+.
وتمنح هذه الشراكة التعاون بُعدا جيوسياسيا ثقيل الوزن، يتجاوز حدود النفط إلى إعادة صياغة العلاقات بين الجنوب العالمي.
وكما قال "أيوك"، فإن عودة "بتروبراس"، "تتجاوز مجرد اتفاقية طاقة، لتصبح نموذجا يُظهر كيف يمكن للشراكات العالمية الاستراتيجية أن تُطلق العنان للإمكانات الاقتصادية لأفريقيا".
وبينما تسعى نيجيريا إلى تنويع اقتصادها، وتعمل البرازيل على تعزيز حضورها العالمي، فإن هذه الشراكة تحمل ملامح حقبة جديدة من التعاون الأفريقي–البرازيلي، حيث تتحول الثروات الطبيعية المشتركة إلى وقود لنمو مستدام طويل الأمد، وتُفتح الأبواب أمام قارة تتطلع إلى مستقبل طاقي أكثر إشراقا.