logo
العالم

"جيش المواطنين".. بريطانيا تستجيب لتهديدات الحرب الهجينة الروسية

جنود بريطانيونالمصدر: (أ ف ب)

ًتبدو بريطانيا أمام لحظة مفصلية في تاريخها الدفاعي، بعد أن بدأت، رسمياً، التفكير في نموذج "الدفاع الشامل" الذي يمتد من الجيش إلى المواطن العادي.

وكان رئيس أركان الجيش البريطاني الجنرال باتريك ساندرز، واضحاً في هذا الاتجاه، منذ يناير/كانون الثاني 2024، لا سيما بعدما ألقى خطاباً في مؤتمر المركبات المدرعة الدولي في لندن، قال فيه إن "أوكرانيا توضح بوحشية أن الجيوش النظامية تبدأ الحروب، ولكن جيوش المواطنين هي التي تربحها".

ودعا ساندرز إلى إنشاء "جيش مواطنين" تطوعي، مؤكدًا أن الاستعداد لأي صراع يجب أن يكون "مسعى وطنياً شاملاً".

 

أخبار ذات علاقة

منشأة روسية للنفط

بريطانيا تستهدف النفط الروسي بعقوبات جديدة

وأضاف أن المملكة المتحدة بحاجة إلى الحديث عن جيش يضم 120 ألف جندي خلال السنوات الثلاث المقبلة، لكنه أقرّ بأن هذا العدد وحده لا يكفي، وأن تمكين المجتمع على قدم الحرب أصبح ضرورة حتمية.

وفي يونيو/حزيران 2025، جاء إعلان الحكومة البريطانية عن "المراجعة الدفاعية الإستراتيجية" بقيادة اللورد روبرتسون ليضع إطارًا واضحًا لهذه الرؤية، التي شددت على أن الأمن الوطني لم يعد مسؤولية الجيش وحده، بل مسؤولية وطنية جماعية تشمل المجتمع بأكمله.

وأعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر عن أكبر زيادة مستدامة في الإنفاق الدفاعي منذ نهاية الحرب الباردة، لتصل إلى 2.6% من الناتج المحلي بحلول عام 2027، مع توجه للوصول إلى 3% في البرلمان المقبل.

وشملت التوصيات الأساسية سنّ قانون جاهزية الدفاع لتعبئة الاحتياطيات والصناعة في حالة الصراع، وتوسيع قوات الكاديت بنسبة 30% بحلول عام 2030، وزيادة قوات الاحتياط النشطة بنسبة 20% عندما تسمح الميزانية.

لكن بريطانيا تواجه تحديات ملموسة في هذا المسعى؛ فالجيش النظامي الحالي هو الأصغر منذ 300 عام، مع 70,860 جنديًا بدوام كامل فقط، مقابل الهدف المطلوب البالغ 73 ألفًا.

كما تواجه وزارة الدفاع أزمة في القوى العاملة نتيجة صعوبات التوظيف والاستبقاء، وتعاني القوات من نقص في المعدات الأساسية، مثل دروع Osprey وخوذ Virtus.

 

 

تحديات عسكرية

وقال المحلل السياسي والخبير في الشؤون الأوروبية كامل حواش، إن تصريحات رئيس الأركان البريطاني، التي دعا فيها إلى أن "تنهض الأمة"، لا يمكن قراءتها باعتبارها خطابًا تعبويًا عابرًا، بل تعكس نقاشًا عامًا آخذًا في التصاعد داخل بريطانيا بشأن طبيعة التهديدات ومستقبل الأمن الوطني.

ورأى حواش في تصريحات خاصة لـ"إرم نيوز"، أن "هذه التصريحات لا تعني بالضرورة حدوث تحول مكتمل من العقيدة الدفاعية العسكرية التقليدية إلى نموذج دفاع مجتمعي شامل، وإنما تشير إلى مسار قيد التشكل لم يكتمل بعد".

وأشار إلى أن "هذا التوجه يرتبط بقراءة بريطانية متأنية لتجربة الحرب في أوكرانيا، إلى جانب تصاعد ما يُعرف بالتهديدات الهجينة القادمة من روسيا، سواء على المستوى العسكري أو السيبراني أو الاقتصادي، وهو ما دفع الدول الغربية عمومًا إلى إعادة التفكير في مفهوم الأمن القومي، بحيث لم يعد الدفاع حكرًا على الجيوش النظامية فقط".

ولفت حواش، إلى أن "بريطانيا تواجه تحديات بنيوية واضحة، أبرزها التراجع المستمر في حجم الجيش البريطاني، وغياب نظام تجنيد إجباري حتى الآن، رغم الجدل المتكرر حوله في الأوساط السياسية والعسكرية".

وأضاف أن "هناك مخاوف حقيقية من أن فئة الشباب البريطاني قد لا تتجه بالسرعة نفسها، التي كانت سائدة في مراحل تاريخية سابقة، إلى الدفاع عن الوطن".

 

 

وأوضح حواش، أن "المسألة لم تعد محصورة في المؤسسة العسكرية وحدها، بل تمتد إلى المجتمع بأكمله، عبر تعزيز ثقافة التطوع، وإدخال برامج تعليمية في المدارس تتيح للطلبة، في سن مبكرة، اكتساب معارف أولية حول مجالات مثل سلاح الجو والدفاع".

وشدد على أن "الانتقال من هذه البرامج التعليمية إلى الجاهزية الفعلية للقتال لا يزال محفوفًا بالشكوك، ولن يتحقق بسهولة".

ورأى حواش، أن "مفهوم الدفاع بات، اليوم، مرتبطًا بقدرة المجتمع على الصمود، واستمرارية مؤسساته، وتماسكه النفسي والسياسي".

"عداء متجدد"

من جانبه، اعتبر الدبلوماسي الروسي السابق ألكسندر زاسبكين، أن "الدور البريطاني المعادي لروسيا ليس أمرًا جديدًا أو سرًا خافيًا، لا سيما أن بريطانيا لعبت على مدى قرون، دورًا تخريبيًا ضد روسيا في مختلف المجالات خاصة عبر أنشطة المخابرات".

وأشار زاسبكين في تصريحات خاصة لـ"إرم نيوز"، إلى أن "هذه السياسة لم تتغير مع اندلاع النزاع في أوكرانيا، حيث تحتل بريطانيا موقعًا متقدمًا في معسكر العدو".

وأوضح أن "لندن تشارك في إدارة نظام كييف، وتخطط أعمالًا عدائية، وتسهم في تنفيذها، إلى جانب تعاونها مع خصوم روسيا الآخرين، وعلى رأسهم ألمانيا وفرنسا".

ولفت  زاسبكين، إلى أن "هذه الوقائع معروفة جيدًا داخل روسيا، حيث تتابع الجهات المختصة الأنشطة البريطانية بدقة بهدف إفشال أي محاولات تقويض أو دسائس محتملة".

 

أخبار ذات علاقة

قوة عسكرية من الجيش البريطاني

"استنهاض الأمة" استعدادًا للحرب.. هل تحتاج بريطانيا لـ"تشرشل" جديد؟

وبيّن أن "المؤسسات الروسية المختصة، مع أخذ خصوصيات عمل المخابرات البريطانية في الاعتبار، تعتمد أساليب مناسبة للتعامل مع هذه التهديدات".

وأكد أن "الحوار مع بريطانيا لا يزال متوقفًا، ولا توجد مؤشرات على استئنافه في المستقبل القريب، في وقت يواصل فيه الإعلام الروسي كشف السياسات البريطانية وشرحها للرأي العام بصورة دقيقة وواضحة".

وأضاف أن "روسيا لن تتردد في اتخاذ أي إجراءات ضرورية لضمان أمنها القومي، أن كشف المخططات البريطانية يأتي في إطار استراتيجية أوسع لحماية المصالح الوطنية".

وأوضح الدبلوماسي الروسي السابق أن المراقبة الدقيقة والتحليل المستمر لأنشطة أجهزة الاستخبارات الأجنبية يمثلان خط الدفاع الأول، ويسهمان في الحفاظ على استقرار الدولة وحمايتها من أي محاولات تقويض خارجية.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC