في ظل التحولات الكبرى في النظام العالمي، تواجه أفريقيا تحدياً مالياً حاداً مع انكماش الدعم الدولي وتراجع الالتزامات متعددة الأطراف.
وكشفت السنوات الأخيرة عن واقع جديد يتطلب من القارة التحرك بعيداً عن منطق الاعتماد على الخارج، نحو بناء نموذج تنموي أكثر استقلالية، وفق تقرير لمجلة "جون أفريك" الفرنسية.
وأوضح التقرير أن التحول بدأ بوضوح مع سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي انسحب من اتفاق باريس وجمّد المساعدات الدولية، وهدد بوقف الدعم للبنك الأفريقي للتنمية، مشيرا إلى أن هذه تحركات لم تكن معزولة، بل جزءًا من توجه عالمي يضع الأولويات الوطنية فوق الالتزامات الدولية، وهو ما يترك أفريقيا مكشوفة مالياً.
وتعاني أكثر من 20 دولة أفريقية تخصيص أكثر من 15% من إيراداتها الضريبية لخدمة الديون. ومع تفاقم الأزمات، كافحت كل من غانا والسنغال لتحقيق الاستقرار رغم تدخلات صندوق النقد الدولي.
وفي الوقت ذاته، يفشل "الإطار المشترك" لمجموعة العشرين في إيجاد حلول فعالة للديون المختلطة متعددة الأطراف؛ مما يعطل جهود إعادة الهيكلة ويزيد الضغط على ميزانيات الدول.
وأشار التقرير إلى أنه في الداخل تبدو البدائل محدودة، بضغط ضريبي لا يتجاوز 17% من الناتج المحلي الإجمالي، واقتصاد غير رسمي واسع، وأسواق رأسمالية ضعيفة، تعتمد الدول الأفريقية على تمويل خارجي بات أكثر تكلفة وتقلباً.
وحتى السندات الخضراء، رغم ما تحمله من وعود، لم تجد البيئة المناسبة للنجاح. أما تمويل المناخ، فقد أصبح "الوعد الأكبر غير المنجز" في القرن الحالي.
وأكد تقرير المجلة الفرنسية أن أفريقيا تحتاج إلى 250 مليار دولار سنوياً للتكيف مع التغير المناخي، إلا أن الدعم الدولي لا يزال دون المستوى، كما أظهر انسحاب الولايات المتحدة من مشروع التحول الطاقي في جنوب أفريقيا.
رغم ذلك، بدأت بعض الدول تسلك مسارات بديلة، من خلال إطلاق صناديق متخصصة، وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وربط المشروعات بالموارد الطبيعية، غير أن هذه المبادرات لن تكون كافية دون إصلاح المنظومة المالية العالمية، وتوفير ضمانات عادلة، وإعادة النظر في سياسات التصنيف الائتماني.
وخلص التقرير إلى القول إن أفريقيا لم تعد تملك رفاهية الانتظار، فالتحرر من منطق التبعية وبناء آليات تأمين ذاتية لم يعد خياراً، بل ضرورة استراتيجية لمستقبل تنموي مستقل ومستدام.