logo
العالم

من الاستنزاف إلى "القوائم السوداء".. الحرب الدعائية تحتدم بين روسيا وبريطانيا

علمَي روسيا وبريطانياالمصدر: رويترز

حذَّرت وزارة الخارجية الروسية، في تطور يعكس تصاعد التوتر بين موسكو ولندن، من أن "أي جهود بريطانية لتشويه سمعة روسيا وعزلها ستقابل برد قاسٍ"، وذلك في إشارة مباشرة إلى السياسات البريطانية المناهضة لموسكو منذ اندلاع الحرب الأوكرانية.

وعمدت روسيا، منذ 2022، إلى استخدام سلاح "القوائم السوداء" كأداة ردع سياسية وإعلامية، بدأت بإعلان حظر دخول عشرات المسؤولين والصحفيين البريطانيين، بينهم شخصيات من مؤسسات إعلامية كبرى، مثل: "بي بي سي" و"فاينانشال تايمز" و"الغارديان".

وفي العام نفسه، أدرجت موسكو أسماء بارزة، مثل: كير ستارمر، ورئيس الوزراء الأسبق ديفيد كاميرون، ضمن قوائم أوسع شملت 39 شخصية سياسية عامة.

أخبار ذات علاقة

نووي

تحالف نووي ينفجر بوجه الغرب.. روسيا تبني 4 مفاعلات في قلب إيران (فيديو إرم)

أثر سياسي

أما في أبريل/نيسان 2024، فقد وسعت روسيا نطاق الرد ليشمل 22 مسؤولًا من الحكومة البريطانية وقطاعات التكنولوجيا والخدمات القانونية، قبل أن تعلن في أبريل/نيسان 2025، عن منع 15 نائبًا في البرلمان و6 أعضاء من مجلس اللوردات، من بينهم أسماء، مثل: فيل بريكل، وجيفون ساندهر، وجوانا باكستر، وبلاير ماكدوغال.

وتواصلت الخطوات، في أغسطس/أب الماضي، مع إضافة 21 شخصية جديدة متهمة بالترويج لـ"روايات معادية لروسيا" عبر الإعلام والمؤسسات البريطانية.

ويعتبر محللون أن إدراج شخصيات بريطانية على قوائم موسكو ليس مجرد إجراء رمزي، بل رسالة متعددة الأبعاد؛ فحسب التقديرات، تسعى روسيا إلى تكريس صورة الحزم داخليًا عبر إظهار أنها لا تقف مكتوفة الأيدي أمام الحملات الغربية، وخارجيًا عبر ردع لندن عن المضي في تصعيدها السياسي والإعلامي.

ويرى آخرون أن موسكو باتت تنظر إلى بريطانيا كطرف قائد للخط الغربي في مواجهة روسيا، وأن التصعيد الأخير يعكس تحميل لندن مسؤولية تعطيل أي مسارات محتملة للتسوية.

ورغم أن منع شخصيات من دخول الأراضي الروسية لا يغيّر كثيرًا في موازين القوة، إلا أن أثره السياسي والإعلامي كبير، خاصة أن هذه القوائم تُستخدم كورقة ضغط معنوي ورسالة سياسية مزدوجة: الأولى للداخل الروسي لتثبيت خطاب المواجهة، والثانية للخارج لتأكيد أن موسكو لن تسمح بلندن بمواصلة لعب دور "القاطرة الغربية" في عزلها.

صراع تاريخي

وقال كارزان حميد، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الأوروبية، إن هذه الخطوة الروسية تأتي امتدادًا لصراع تاريخي بين موسكو ولندن، لكنه تصاعد بشكل لافت منذ اندلاع الحرب الأوكرانية العام 2022.

وأكد حميد في تصريحات لـ"إرم نيوز" أن بريطانيا، التي أفشلت، في أكثر من مناسبة، محاولات التفاوض بين موسكو وكييف، باتت بالنسبة للكرملين رأس الحربة في مشروع استنزاف روسيا وإطالة أمد الحرب، وهو ما يفسر إدراج شخصياتها السياسية والأمنية ضمن القوائم السوداء.

وأضاف أن لندن لا تتحرك فقط من منطلق دعم أوكرانيا، بل تسعى لفرض قيادتها داخل الاتحاد الأوروبي، وإعادة تموضعها كقوة تقود القارة في مواجهة روسيا، وفي نفس الوقت ترى موسكو أن هذه السياسة جزء من محاولات بريطانية أوسع لخلق حالة عدم استقرار داخلي قد تؤدي إلى إسقاط الرئيس فلاديمير بوتين.

ولفت حميد إلى أن تأثير القوائم السوداء قد يكون محدودًا على المدى المباشر، لكنها تحمل قيمة سياسية رمزية تعكس حدة المواجهة، خاصة أنها تأتي بالتوازي مع تحركات روسيا لملء الفراغ الغربي في أفريقيا والشرق الأوسط.

وأكد الخبير في الشؤون الأوروبية أن هذه المواجهة مرشحة للتوسع خارج أوروبا، وأن الشعب الأوكراني يبقى الخاسر الأكبر بعد أن سلَّم رئيسه مفاتيح القرار للدوائر البريطانية.

شيطنة روسيا

من جانبه، شدد الدكتور محمود الأفندي، الخبير في الشؤون الروسية، على أن إدراج شخصيات بريطانية على القوائم السوداء يعكس قناعة موسكو بأن لندن هي الخصم الأكثر تحريضًا ضدها، وليست مجرد طرف أوروبي آخر في الأزمة.

وأشار في تصريحات لـ"إرم نيوز" إلى أن روسيا تنظر إلى بريطانيا باعتبارها المسؤولة المباشرة عن إفشال اتفاق إسطنبول في بداية الأزمة، وهو ما دفع موسكو إلى المضي في عمليتها العسكرية ضد أوكرانيا.

وأضاف أن السياسة البريطانية القائمة على "شيطنة روسيا" ليست جديدة، بل هي امتداد لعداء تاريخي ممتد منذ قرون، لكنه، اليوم، يأخذ شكلاً أشد حدة مع انكشاف الضعف السياسي والأمني الأوروبي.

أخبار ذات علاقة

مسيرة روسية

من خاصرة الشرق إلى عمق الغرب.. هل تنقل روسيا معركة "الناتو" إلى قلب أوروبا؟

معاداة موسكو

وأكد الأفندي أن الخارجية الروسية حين رفعت لهجتها التصعيدية لم تكن تكتفي بالرد الكلامي، بل مهدت لخطوات أشد قسوة، تبدأ بالدبلوماسية الرمزية مثل القوائم السوداء، وقد تمتد إلى إجراءات اقتصادية وعسكرية غير مباشرة تستهدف المصالح البريطانية.

وأشار الخبير في الشؤون الروسية إلى أن الغرب، وعلى رأسه بريطانيا، خرج من هذه المواجهة مثقلاً بالأعباء الاقتصادية والعسكرية، في حين حافظت روسيا على موقعها الإستراتيجي وعززت قدرتها على المناورة.

وقال إن إدراج شخصيات بريطانية على قوائم العقوبات ليس سوى البداية، وأن الرد الروسي في المرحلة المقبلة قد يكون أكثر إيلامًا، خاصة إذا واصلت لندن لعب دور "رأس الحربة" في الإستراتيجية الغربية المعادية لموسكو، وفق تعبيره.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC