الجيش الإسرائيلي: استعدنا خلال "عربات جدعون" 10 جثامين لإسرائيليين كانوا محتجزين في غزة
ضاعف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، هذا الأسبوع، من تصريحاته المهددة بشن هجوم وشيك على مدينة غزة، لكنه في الوقت ذاته أعلن استئناف المحادثات مع حركة حماس بشأن اتفاق لوقف إطلاق النار، في خطوة تُبقي كل الاحتمالات قائمة.
لطالما عُرف نتنياهو بقدرته على المراوغة خلال سنوات حكمه الطويلة، ويبدو أنه يوظف هذه المهارة مجددًا، وفقًا لموقع "المونيتور".
ففي فيديو قصير نشره يوم الخميس، وصف إسرائيل بأنها وصلت إلى "لحظة حاسمة"، معلنًا موافقته على خطط للسيطرة العسكرية على مدينة غزة لتوجيه ضربة قاصمة لحماس، مع تأكيده في الوقت نفسه بدء مفاوضات لإطلاق سراح جميع الرهائن وإنهاء الحرب "بشروط مقبولة من إسرائيل".
جاءت تعليقاته بعد زيارة ثانية هذا الأسبوع إلى قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل، وتشكل أول رد فعل إسرائيلي على إعلان حماس قبولها أحدث مقترح للوسطاء من أجل إنهاء الحرب المستمرة منذ 22 شهرًا.
ويرى مراقبون أن ما يقوم به نتنياهو ليس جديدًا، بل هو استمرار لنهج اعتاد عليه: الجمع بين إصدار أوامر عسكرية والحديث عن المفاوضات.
وقال أحد مساعديه، لموقع "المونيتور"، طالبًا عدم ذكر اسمه: "حتى الآن، تسير الأمور لصالحه، لأنه يحظى بدعم كامل من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب".
صادق مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي، في 8 أغسطس/آب، على شن هجوم ضد مدينة غزة، التي تعد آخر معاقل حماس، الأمر الذي قوبل بإدانات دولية واسعة؛ لكن الغموض ما زال يحيط بتوقيت العملية وحجمها.
وأعلنت وزارة الدفاع، الأربعاء الماضي، استدعاء نحو 60 ألف جندي احتياط للمشاركة في السيطرة على المدينة، مع تأكيد الجيش أن بدء العملية قد يستغرق أسابيع؛ وفي الوقت نفسه، كثفت إسرائيل قصفها الجوي والمدفعي للأحياء المحيطة.
ومن جانبها، أفادت صحيفة "يديعوت أحرونوت" بأن الاستخبارات العسكرية رصدت مساعي حماس لإعادة بناء أنفاق دمرتها إسرائيل العام الماضي، إضافة إلى اكتشاف أنفاق جديدة.
وقال مصدر عسكري رفيع، لموقع "المونيتور"، إن "عدد سكان غزة يبلغ نحو مليون نسمة، وتتركز فيها بقايا قوات حماس وقيادتها، ولا تزال هناك أحياء لم تُدمر بعد، ما يتطلب جهدًا كبيرًا"، متوقعًا "سقوط خسائر في صفوف الجيش الإسرائيلي".
كما حذّر قادة عسكريون من أن الهجوم يهدد حياة نحو 20 رهينة إسرائيليًا يُعتقد أنهم محتجزون في الأنفاق.
تراجع نتنياهو، أخيرًا، عن دعمه السابق لاتفاق جزئي يقضي بالإفراج عن بعض الرهائن فقط، وهو تكتيك اتبعه سابقًا لرفض مطالب حماس بإنهاء الحرب وانسحاب القوات الإسرائيلية، فقبل أسبوعين، كان يؤكد أن أي اتفاق يجب أن يضمن إطلاق جميع الرهائن.
ورغم إعلان حماس قبولها المقترح الأخير المتعلق بوقف جزئي لإطلاق النار، فإنها لم تكشف تفاصيل ردها على الوسطاء، وسط توقعات بإضافة شروط أو طلب تعديلات كما حدث في جولات سابقة.
وقال مصدر دبلوماسي شرق أوسطي لـ"المونيتور": "الطرفان يحاولان التناقض باستمرار، مهما كلف الأمر".
يتفق المراقبون على أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يملك مفاتيح إنهاء الحرب؛ لكن حتى الآن، لم يضع خطوطًا حمراء أو مواعيد نهائية لنتنياهو، مكتفيًا بمتابعة التطورات.
وقال دبلوماسي شرق أوسطي: "الوسطاء في حيرة، فلا أحد يفهم سبب تحفظ ترامب وصمته"؛ في حين وصف دبلوماسي إسرائيلي بارز الموقف بأنه "غريب للغاية"، مضيفًا أن الرئيس "يسمح لنتنياهو بفعل ما يشاء، رغم أنه يرغب منذ زمن بإنهاء الحرب".
أشار ترامب هذا الأسبوع إلى قربه من نتنياهو، واصفًا نفسه ورئيس الوزراء الإسرائيلي بـ"أبطال الحرب"، في إشارة إلى قصف المنشآت النووية الإيرانية في يونيو/حزيران.
كما يُخطط ترامب لزيارة إسرائيل منتصف سبتمبر لافتتاح مشروع أثري في القدس، رغم الشكوك حول إمكانية تنفيذها إذا استمر القتال.
يراهن نتنياهو على استمرار الدعم الأمريكي لتجنب ضغوط داخلية وخارجية، ويحاول الموازنة بين مطالب شركائه المتطرفين بالسيطرة الكاملة على غزة، والنداءات الداخلية للتوصل إلى صفقة شاملة للأسرى.
ويُدرك رئيس الوزراء الإسرائيلي أن استقالة وزراء من أقصى اليمين، مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، قد تُهدد تماسك حكومته، لكنه يعرف أيضًا أن بإمكانه الاعتماد على دعم المعارضة إذا توصل إلى اتفاق لإطلاق الرهائن وأعلن موعدًا للانتخابات.
في السياق ذاته، أعلن زعيم المعارضة يائير لابيد أن نتنياهو يستطيع الاعتماد على "شبكة أمان" برلمانية تمنع سقوط حكومته في هذه الحالة.
كما لمّح وزير الدفاع السابق بيني غانتس إلى إمكانية الانضمام مجددًا إلى الحكومة إذا كان ذلك سيؤدي للإفراج عن الأسرى.
وأفادت القناة الإسرائيلية العامة (كان) بأن حزب غانتس قد ينضم إلى الائتلاف الحاكم إذا أبرم نتنياهو صفقة للإفراج عن الرهائن، حتى في حال انسحاب الأحزاب اليمينية المتطرفة.
ويبقى موقف نتنياهو النهائي غير واضح، باستثناء اعتماده على دعم مقربين مثل وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر. أما غانتس، الذي تراجعت شعبيته إلى أدنى مستوياتها، فيدرس العودة إلى الحكومة لفترة مؤقتة إذا كان ذلك سيؤدي إلى تحرير الرهائن.
وفي ظل استمرار الغموض بشأن توقيت العملية العسكرية أو نجاح المفاوضات، يظل المشهد الإسرائيلي مفتوحًا على كل السيناريوهات: هجوم واسع على غزة، اتفاق جزئي لوقف إطلاق النار، أو مزيج من الاثنين معًا، بما يعكس أسلوب نتنياهو التقليدي في اللعب على الحبال المتناقضة.