بينما تستمر الحرب في أوكرانيا، ترسل موسكو إشارات مدروسة بأن ساحات الصراع لم تعد محصورة في الجبهة الأوروبية، وأعلنت دعمها لمبدأ الصين الواحدة.
يتزامن ذلك مع تصعيد أمريكي في ملف تسليح تايوان، وهو ما يعكس توجهًا روسيًا لنقل جزء من ثقل المواجهة إلى شرق آسيا، حيث المصالح الأمريكية الأكثر حساسية.
قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، إن روسيا تعارض استقلال تايوان بأي شكل من الأشكال وتعتبر الجزيرة جزءا لا يتجزأ من الصين، حاثا اليابان على "التفكير مليا" في ما وصفه بأنه "توجه نحو العسكرة".
وترى موسكو أن الضغوط الغربية المتزايدة عليها في أوكرانيا تستدعي توسيع نطاق الاشتباك الجيوسياسي، عبر فتح مسارات توتر موازية تُربك الحسابات الأمريكية.
وفي هذا السياق، تبرز اليابان كحلقة ضغط رئيسية، خاصة مع تصاعد إنفاقها العسكري، وتبنيها استراتيجية أمنية أكثر هجومية، تتقاطع مع المصالح الأمريكية في المنطقة.
التحذير الروسي لليابان لا ينفصل عن النزاع التاريخي حول جزر الكوريل، ولا عن قلق موسكو من تحول طوكيو إلى طرف فاعل في معادلة تطويق إقليمي أوسع، تقوده الولايات المتحدة.
في المقابل، يشكّل الاصطفاف الروسي–الصيني مظلة استراتيجية لهذا التحول، حيث تراهن موسكو على بكين كقوة قادرة على موازنة النفوذ الأمريكي عالميًا.
ويرى خبراء أن التصريحات الروسية الأخيرة تعكس نقل موسكو ثقل المواجهة من الجبهة الأوكرانية إلى شرق آسيا، عبر تأكيد الاصطفاف الاستراتيجي مع الصين، وتوجيه رسائل ردع مباشرة لليابان.
وأضافوا أن دعم روسيا لمبدأ الصين الواحدة بالتزامن مع تصاعد التسليح الأمريكي لتايوان وزيادة الإنفاق العسكري الياباني يعكس محاولة روسية لإعادة رسم موازين الردع في المنطقة، والضغط على الحلفاء الآسيويين لواشنطن، ضمن سياق أوسع يسعى إلى كسر الهيمنة الأمريكية وبناء نظام دولي متعدد الأقطاب.
خبير العلاقات الدولية، د. محمد عثمان، أكد أن تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف تمثل بالأساس رسالة تضامن روسية موجهة إلى الصين، في توقيت تتصاعد فيه التوترات بين بكين من جهة، واليابان وتايوان والولايات المتحدة من جهة أخرى.
وأضاف عثمان في تصريح لـ"إرم نيوز" أن موسكو تؤكد دعمها لمبدأ الصين الواحدة، وترفض النزعات الانفصالية التي يروج لها الرئيس التايواني لاي تشينغ دي.
وأشار خبير العلاقات الدولية إلى أن الولايات المتحدة أقرت مؤخرًا صفقة سلاح كبيرة لتايوان بقيمة 11 مليار دولار، معتبرًا أن هذه الخطوة أسهمت في رفع مستوى التوتر في جنوب شرق آسيا.
ولفت إلى أن التصريحات الروسية في هذا التوقيت تحمل دلالات استراتيجية، أبرزها تأكيد الاصطفاف بين موسكو وبكين، والعمل المشترك على بناء نظام دولي متعدد الأقطاب يحد من هيمنة الولايات المتحدة على النفوذ العالمي.
وأوضح عثمان أن الرسائل الروسية لا تنفصل عن شواغل موسكو الأمنية، خاصة في ظل النزاع الحدودي مع اليابان حول جزر الكوريل، التي تسيطر عليها روسيا بينما تصر طوكيو على اعتبارها أراضي محتلة.
وأكد عثمان أن تصاعد الإنفاق الدفاعي الياباني تزامن مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، موضحًا أن طوكيو باتت تنظر إلى روسيا باعتبارها تهديدًا مباشرًا بعد الصين وكوريا الشمالية، مشيرًا إلى أن موسكو ترى في تعزيز القدرات العسكرية اليابانية استهدافًا لها، وليس للصين وحدها.
وأشار خبير العلاقات الدولية إلى أن هذه التطورات تعكس تعقيد المشهد في شرق آسيا، حيث تتداخل المصالح الاستراتيجية والاقتصادية، مؤكدًا أن التصريحات الروسية تعبر عن سعي موسكو لتعزيز حضورها الإقليمي والدولي، وحماية مصالحها الأمنية في مواجهة تمدد النفوذ الأمريكي والغربي.
من جانبه، قال الخبير العسكري، العميد نضال زهوي، إن صدور استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الأخيرة أظهر بوضوح تموضع روسيا داخل الحلف الشرقي، وتأكيد ثبات موقفها من قضية تايوان.
وشدد على أن الصين تمثل الرافعة الحقيقية للاقتصاد الروسي، وأن أي تراجع في هذا الاصطفاف قد يهدد متانة العلاقة بين البلدين.
وأكد الخبير العسكري في تصريحات لـ"إرم نيوز" أن موسكو تواصل تثبيت علاقتها الاقتصادية مع بكين، مشيرا إلى أن قدرة روسيا على دعم الصين في حال نشوب مواجهة حول تايوان تظل محدودة، وتقتصر على الدعم التقني، وهو دعم رمزي ومعنوي في ظل التفوق العسكري الصيني.
ولفت إلى أن تقديرات عسكرية تحدثت عن احتمالية تنفيذ أي عملية ضد تايوان في عام 2027، مؤكدًا أن التحركات اليابانية تظل حساسة للغاية بالنسبة للصين، سواء اندلع صراع عسكري أم لا، في ظل نزاع تاريخي ممتد بين بكين وطوكيو.
وقال العميد زهوي إن التفوق العسكري الصيني بات واضحًا، سواء على مستوى القوة البشرية أو التقنية، لا سيما في المجال البحري والذكاء الاصطناعي، مشيرًا إلى أن الكفة التكنولوجية تميل بوضوح لصالح الصين.
وأضاف زهوي أن روسيا تعزز اصطفافها مع بكين في القضايا الحساسة ضمن مواجهة أوسع مع الولايات المتحدة.
وأوضح الخبير العسكري أن الاستراتيجية الأمريكية لا تعتبر روسيا تهديدًا مباشرًا للأمن القومي الأمريكي، معتبرًا أن التصريحات الروسية تسهم في زيادة الضغط الاستراتيجي على اليابان ودول شرق آسيا.
وأكد أن الصراع لا يقتصر على أوكرانيا، وأن تصوير روسيا كعدو مباشر لكل الغرب يعكس فهمًا غير دقيق للواقع.
وأشار إلى أن الرسالة الأساسية من هذه التحركات تتمثل في ردع اليابان، في ظل تصاعد إنفاقها العسكري، وهو ما يتماشى مع التوجه الأمريكي الداعي إلى تحميل الحلفاء مسؤوليات دفاعية أكبر، موضحًا أن هذا التصعيد الإعلامي محسوب ويأتي ضمن سياق استراتيجي أوسع.