ترَك لقاء سكرتير مجلس الأمن الروسي سيرغي شويغو ووزير الخارجية الصيني وانغ يي، الذي عُقد في موسكو، الثلاثاء، إشارات واضحة حول طبيعة الملفات التي يعمل عليها الطرفان في المرحلة الحالية، ولا سيما في آسيا والمحيط الهادئ.
النقاشات، بحسب مصدر دبلوماسي روسي تحدّث لـ"إرم نيوز"، ركزت على ثلاث مجموعات من القضايا تشكل محور التنسيق الأمني بين البلدين منذ منتصف العام.
ويوضح المصدر الدبلوماسي أن جزءًا أساسيًا من اللقاء تناول تحسين دقة تبادل المعلومات حول التحركات العسكرية الأمريكية والحليفة في المحيط الهادئ، ولا سيما في بحر الصين الجنوبي والممرات المرتبطة به.
ويشير إلى أن الهدف الروسي هو ضمان "صورة متقاربة" للوقائع الميدانية بين الطرفين، بحيث لا تعالج موسكو وبكين الأحداث كلٌ بمعزل عن الأخرى، خصوصًا مع تزايد الأنشطة البحرية والجوية في الإقليم.
ويبين المصدر هنا أن هذا الملف لا يتصل بتوسيع العلاقة أو بإقامة ترتيبات جديدة، وإنما بضبط المتابعة التقنية في منطقة تتغير معطياتها بسرعة.
أما الملف الثاني الذي طرحه الجانب الروسي يتعلق بتعديل بعض تفاصيل التعاون العسكري–التقني، بما يشمل مساحات المراقبة البحرية وأنظمة الاتصال بين المؤسسات الأمنية.
ويقول المصدر إن المراجعة تهدف إلى تكييف آليات العمل مع حجم التغيّرات في شرق آسيا من دون رفع مستوى الالتزامات.
ويَعتبر المصدر أن هذه النقطة تعبّر عن محاولة لترتيب التعاون القائم، بحيث يصبح أكثر ملاءمة للعام المقبل، وليس لإضافة مسارات جديدة إليه.
بينما كان المحور الثالث الذي حظي بأهمية واضحة في رؤية الطرفين للإقليم، حول التطورات المرتبطة بتوسيع التعاون الدفاعي الأمريكي مع اليابان والفلبين، والأنشطة البحرية المتكررة في بحر الصين الجنوبي.
وبحسب المصدر، فإن روسيا طرحت هذا الملف من زاوية "فهم اتجاهات الحركة الأمريكية"، وليس من زاوية بناء موقف موحد. وبالمقابل، أبقت الصين النقاش ضمن حدود الملفات المتصلة بأمن شرق آسيا حصرًا.
هذا النوع من التبادل يسمح للطرفين بحسب المصدر إدارة الخط الفاصل بين الاختلاف في الحسابات والتقارب في القراءة العامة لمسار التحركات الأمريكية.
بدورها، كشفت مصادر دبلوماسية صينية لـ"إرم نيوز" أن بكين تتعامل مع المشاورات الجارية مع موسكو باعتبارها جزءًا من متابعة التطورات في شرق آسيا، وليس كخطوة تهدف إلى توسيع التزاماتها الأمنية.
وبحسب المصادر، فإن بكين ترى أن تزايد الأنشطة العسكرية الأمريكية في شرق آسيا "يستدعي متابعة منسقة لتطوراتها"، لكنها أكدت أن ذلك "لا يعني توحيد المواقف، بل الحفاظ على فهم أوسع لمسار التطورات الميدانية".
ولفتت إلى أن الصين أبلغت الجانب الروسي رغبتها في فصل الملفات وعدم دمج القضايا الآسيوية بملفات أخرى تختلف حساباتها، موضحة أن هذه المقاربة "تنسجم مع السياسة الصينية التي تُفضل إدارة كل إقليم بحدوده".
وأضافت أن بكين تعتبر هذا النوع من المشاورات "وسيلة لإدارة مرحلة تتغير فيها المعطيات بسرعة"، مؤكدة أن الصين "لا تبني عليها توقعات سياسية كبيرة، وتتعامل معها كجزء من صيانة الحركة المرحلية للعلاقة الثنائية".
من جانبها، قالت مصادر سياسية أمريكية لـ"إرم نيوز" إن واشنطن تابعت الاجتماع الروسي–الصيني من زاوية إقليمية بحتة، موضحةً أن الإدارة الأمريكية ترى في اللقاء "محاولة من الطرفين لترتيب بعض خطوط التنسيق في المحيط الهادئ لا أكثر".
وأضافت المصادر أن الولايات المتحدة "لا تعتبر أن المشاورات الأخيرة تحمل مؤشرات على تغيير في مستوى العلاقة العسكرية بين موسكو وبكين"، مشيرة إلى أن ما نُوقش في موسكو يدور في "الإطار التقليدي للعلاقة بين الطرفين، خصوصًا في ما يتعلق بالمراقبة البحرية وتبادل المعلومات الأساسية".
وبحسب قولها، فإن ما يهمّ واشنطن في هذه المرحلة هو "مدى التزام بكين بالفصل بين ملفاتها الإقليمية وعلاقاتها مع موسكو خارج آسيا"، وختمت بالقول إن تقييم واشنطن العام للاجتماع هو أنه "إجراء يتعامل مع ضغط الوقت في الإقليم"، مضيفةً أن واشنطن ترى فيه خطوة متوقعة في سياق عام يشهد نشاطًا عسكريًا متزايدًا لدى أطراف مختلفة.
ويقول المتخصص في العلاقات الأمنية لشرق آسيا، ليو تشينغ، خلال حديث لـ"إرم نيوز" إن قراءة الاجتماع الروسي–الصيني "لا يجب أن تُحمَّل أكثر مما تحمله"، ويرى أن بكين "تتعامل مع أي تنسيق مع موسكو باعتباره جزءًا من إدارة الإقليم وليس مدخلًا لبناء محور سياسي أو عسكري".
ويضيف أن الصين تركّز على ضمان متابعة دقيقة للحركة العسكرية في المحيط الهادئ، "لأن وتيرة الأنشطة الأمريكية في المنطقة ارتفعت بشكل ملموس خلال الأشهر الأخيرة"، لكنه يشير إلى أن هذا التركيز "لا يغير طبيعة العلاقة ولا يرفع منسوب التعاون الأمني بين الطرفين".
ويؤكد ليو أن الصين "تحتفظ بمسافة واضحة" في أي صياغة مشتركة مع موسكو، موضحًا أن بكين "تفضل قراءة مشتركة للمعطيات، لكنها لا تريد دمج ملف شرق آسيا بأي ملفات أخرى تدور خارج حدود الإقليم".
وبحسب قوله، فإن ما يدفع الصين إلى هذا النهج هو "الرغبة في إبقاء حساباتها مستقلة، مع الاستفادة من التنسيق الضروري في الملفات الأكثر حساسية".
من جهته، يرى الباحث مارك هانسن، المتخصص في ديناميات الأمن الدولي، أن الاجتماع يدل على أن موسكو وبكين تتحركان في المساحة الواقعية المتاحة لهما، وليس في مساحة بناء ترتيبات جديدة.
ويشير خلال حديث لـ"إرم نيوز" إلى أن الطرفين "يواجهان سياقات مختلفة تمامًا في الإقليم"، فالصين تعمل من موقع القوة الإقليمية المباشرة، بينما تتحرك روسيا من موقع الشريك الذي يريد الحفاظ على حضوره في منطقة تتغير بسرعة.
ويقول هانسن إن "ملف تبادل المعلومات حول التحركات البحرية الأمريكية أصبح جزءًا ثابتًا في محادثات الطرفين، لكنه لا يشير إلى انتقال العلاقة إلى مستوى أعلى". ويعتبر أن ما يميّز هذا النوع من الاجتماعات هو أنه "يتعامل مع حاجات عملية، مثل تحسين المتابعة التقنية للمشهد"، دون أن يفرض "تغييرات في طبيعة التوازنات أو في مستوى الاعتماد المتبادل".
ويضيف أن الاجتماع "قد يساهم في تقليل الفجوات بين القراءتين الروسية والصينية للمشهد الآسيوي"، لكنه يؤكد في الوقت نفسه أن "كل طرف ما زال يحتفظ بمساحته الخاصة في تفسير التحركات الأمريكية وإدارة علاقاته الإقليمية".
ويختم بالقول إن هذه المشاورات "لا تصنع تحالفات، بل تنظّم خطوط التواصل بين بلدين يعرف كل منهما حدود العلاقة جيدًا".