تدخل كل من الهند وباكستان حقبة أكثر خطورة من أي وقت مضى، مدفوعةً بالاختلاف الكبير في مسارات البلدين. حسبما رأت صحيفة "نيويورك تايمز".
وقالت الصحيفة، إنه عندما تصطدم الهند وباكستان، غالبًا ما يُهملهما العالم باستخفاف وباعتبار ذلك مجرد اشتعال آخر لعداوات قديمة حول الدين وكشمير، تتخللها مناوشات حدودية غير حاسمة.
ورغم بعض الحروب والمناوشات الأخرى بين باكستان ذات الأغلبية المسلمة، والهند ذات الأغلبية الهندوسية، فإن المواجهات يعقبها مفاوضات ودبلوماسية، غالبًا ما تُيسّرها الولايات المتحدة. وحتى عندما اندلع قتال خطير، منعت الحواجز الأمنية الراسخة الجانبين من الاقتراب كثيرًا من أمر لا يُصدّق؛ استخدام أسلحتهما النووية.
تحوّل عميق في التنافس
وتستدرك الصحيفة، بأن التصعيد الحالي يبدو مُختلفاً؛ ففي حين كانت الشرارة المباشرة للصراع العسكري الدائر الآن بين البلدين هجومًا إرهابيًا على سياح هندوس في كشمير الشهر الماضي، والذي أسفر عن مقتل 26 شخصًا، يُسلّط التصعيد السريع للحادثة إلى أعمال عدائية مسلحة، الضوء على تحوّل عميق وخطير في التنافس بين الهند وباكستان في السنوات الأخيرة، ما ألغى المساحة الدبلوماسية التي كانت تُمكّن الجارتين من تجنّب صراعٍ مُدمّر.
وأضافت الصحيفة، أنه يمكن إرجاع هذا التحوّل إلى الاختلاف الكبير في مسارات البلدين؛ حيث برزت الهند كقوة جيوسياسية واقتصادية، وقد وصفها رئيس وزرائها القومي الهندوسي، ناريندرا مودي، بأنها ليست دولةً عظيمة فحسب، بل حضارةٌ عظيمةٌ صاعدةٌ حانت لحظتها على الساحة العالمية.
وكما بلور هذا عقلية متشددة، تنظر فيها نيودلهي بشكل متزايد إلى باكستان، ليس كمصدر إزعاج مُخرب، بل كتهديدٍ حادٍّ لصعود الهند المُستحق. علاوة على أن صبر الهند نفد تجاه مطالبة باكستان بالجزء الخاضع لسيطرتها من كشمير، المنطقة ذات الأغلبية المسلمة التي يُعلنها كل جانب ملكًا له، ودعمها للإرهاب المُناهض للهند.
كشمير.. جوهر هوية باكستان
وعلى الجانب الآخر، تُعاني باكستان منذ عقدين من الأزمات الاقتصادية والسياسية والأمنية؛ إذ إن هناك مؤسسة واحدة تُسيطر على السلطة، وهو جيش قوي يُهيمن على صنع القرار، ويمتلك قدرات عسكرية تقليدية ونووية هائلة.
ورغم الحصار، فإن باكستان، بطموحاتها الخاصة للبقاء قوة إقليمية، غير مستعدة للتراجع أمام الهند وفي قضايا مثل كشمير، التي تُشكل جوهر هويتها الوطنية.
وأشارت الصحيفة إلى أن ضبط النفس الهندي في مواجهة الأفعال الباكستانية، في العقود الماضية، كان هو ما حافظ على توازن مضطرب. وحتى بعد حوادث مميتة، مثل هجوم مومباي عام 2008 الذي شنه إرهابيون متمركزون في باكستان، والذي أودى بحياة 166 شخصًا، ردّت الهند عادةً باعتدال ومبادرات سلام دورية.
خطط مودي لعزل باكستان
لكن في عهد السيد مودي، تغيّر هذا الوضع؛ فعلى مدار العقد الماضي، تحوّل إلى استراتيجية تسعى إلى عزل باكستان دوليًا، مقرونة بعمليات سرية، وأعمال تخريب، وعمليات اغتيال مستهدفة.
وفي الوقت نفسه، أبدت باكستان، وخاصة جيشها، اهتمامًا بالتراجع عن موقفها التقليدي المناهض للهند لفترة؛ فبعد صراع حدودي عام 2019، مارست باكستان ضبطًا للنفس أكثر من أي وقت مضى في تاريخ البلدين المضطرب، بما في ذلك إعادة وقف إطلاق النار عام 2021.
وذهبت الصحيفة إلى أنه حتى لو تراجع الجانبان وهدأت الأعمال العدائية الحالية، يبدو أن الهند عازمة على انتهاج استراتيجية أكثر تشددًا تتمثل في ممارسة ضغوط طويلة الأمد تهدف إلى تغيير الحسابات السياسية الباكستانية تجاه الهند، وإلحاق ضرر لا يمكن إصلاحه بمركز القوة الرئيسي في باكستان، جيشها.
وإدراكًا منها لهذا التحول، تخلت باكستان عن أملها في تطبيع العلاقات مع الهند، ويبدو أنها تستعد لمواجهة طويلة الأمد.
تمهيد للتصعيد
ومما ينذر بالسوء أن هذه المواجهة تُهدد حواجزَ أساسيةً حالت دون تفاقم الصراعات؛ حيث علّقت الهند الشهر الماضي معاهدةً أُبرمت عام 1960 بشأن تقاسم الأنهار، ولا سيما مياه نهر السند، مُهددةً بذلك أحد أهم مصادر المياه في باكستان.
وكانت باكستان قد حذّرت سابقًا من أن مثل هذا التعليق سيُعد "عملًا حربيًا"، وهدّدت بالتخلي عن اتفاقية عام 1972 التي رسّخت الحدود في كشمير المُقسّمة.
وحذرت الصحيفة من أن كل هذا التغيير يحدث في الوقت الذي تراجعت فيه الولايات المتحدة عن دورها كمديرة للأزمات في جنوب آسيا؛ حيث كانت واشنطن في السابق وسيطًا موثوقًا به من كلا الجانبين، وقادرة على إبعاد الهند وباكستان عن حافة الهاوية.
نذر حرب نووية
وينبغي على الولايات المتحدة وشركائها العالميين، كبريطانيا واليابان، إلى جانب الدول ذات النفوذ على باكستان، أن تنظر إلى الأعمال العدائية الحالية ليس كحالة انفعال مزعجة وطبيعية، بل على حقيقتها؛ صراع مهيأ للتفاقم مع احتمالية مرعبة للتحول إلى حرب نووية.
وفي حين أن البديل هو كارثة لا يمكن للعالم أن يتحمل المخاطرة بها، دعت الصحيفة إلى التدخل فورًا لتهدئة الأمور، والضغط على الهند وباكستان لإعادة الالتزام بالحواجز القديمة والبدء في الحوار لاستعادة التوازن، بسرعة، في هذه المنطقة الأخطر بين البؤر الساخنة عالميًا.