logo
العالم

في لحظة فارقة.. هل ينجح ميرتس بتقوية أوروبا؟

فريدريش ميرتسالمصدر: (أ ف ب)

يبرز المستشار الألماني الجديد فريدريش ميرتس كشخصية محورية قد تعيد تشكيل القيادة الأوروبية، في لحظة فارقة تشهد فيها أوروبا تحولات جيوسياسية غير مسبوقة. 

منذ توليه منصبه في مايو 2025، أعلن ميرتس أن أولويته المطلقة هي تقوية أوروبا لتحقيق استقلال حقيقي عن الولايات المتحدة، في انعطافة تاريخية عن السياسة الألمانية التقليدية.

أخبار ذات علاقة

الرئيس ترامب والمستشار ميرتس.

ميرتس لترامب: أوروبا ليست "مسرح إنقاذ" أمريكي

القيادة الألمانية المنتظرة

بعد فوز تحالفه المحافظ بنحو 29% من الأصوات، وعد ميرتس في خطاب أمام الحزب الشعبي الأوروبي بتشكيل "واحدة من أقوى الحكومات الداعمة لأوروبا". أضاف أنه سيطلق مبادرات جديدة ويستثمر طاقة أكبر لدفع الاتحاد الأوروبي، مستجيبًا لتطلعات قادة أوروبيين طالبوا منذ سنوات بقيادة ألمانية أقوى.

الضغوط الأوروبية جاءت سريعة. الأمين العام للناتو مارك روته شدّد على أهمية زيادة الإنفاق الدفاعي الأوروبي، وأن "قيادة ميرتس ستكون مفتاحية". المفوضة العليا للسياسة الخارجية كايا كالاس طالبت بتشكيل الحكومة بأقرب وقت لأن قرارات أوروبية حاسمة تتطلب مشاركة ألمانية.

من باريس، يرى بول موريس، الأمين العام للجنة دراسة العلاقات الفرنسية-الألمانية في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، أن الرئيس ماكرون يأمل بأن يجد في ميرتس شريكًا لتحقيق مشروع الاستقلال الإستراتيجي الأوروبي، خاصة في مجالات: الدفاع والطاقة والتكنولوجيا.

يتوقع موريس تعاونًا أفضل في سياسة الطاقة، التي كانت نقطة خلاف مع حكومة شولتس السابقة. يعتقد أن فرنسا لن تواجه معارضة ألمانية قوية بشأن الطاقة النووية، لأن ألمانيا تحتاج إلى كهرباء رخيصة لاقتصادها. أما كاميل غراند من المجلس الأوروبي للشؤون الخارجية، فأكد أن المحرك الفرنسي-الألماني بلغ أدنى مستوياته في عهد شولتس، وأن المسؤولين الفرنسيين يتطلعون لتغيير حقيقي.

لكنّ أصواتاً فرنسية أخرى أكثر تشاؤماً؛ الخبير الأممي أوليفييه دو أوزون حذَّر في تصريح خاص لـ"إرم نيوز" من أن أوروبا تدفع فاتورة استراتيجية أمريكية لا تخدم مصالحها، معتبراً أن واشنطن حولت أوروبا إلى "متفرج خاسر" يتحمل تكاليف صراعات أمريكية.

يرى دو أوزون أن أوروبا تفتقر للاستقلالية الاستراتيجية، وأن العقوبات ضد روسيا أضرت بالاقتصاد الأوروبي أكثر بكثير من الأمريكي عبر الارتفاع الحاد في أسعار الطاقة، ما خلق فاتورة غير عادلة.

المنظور الألماني.. طموح وتحديات

رافائيل لوس من المجلس الأوروبي للشؤون الخارجية في برلين يرى أن ميرتس سيقود بتحالف أكثر تماسكاً، ما يقلل خطر الانسداد الائتلافي. لكنه يحذر من صدامات محتملة مع المفوضية الأوروبية في قضايا المناخ والهجرة، وأن وصول ميرتس قد يعزز اليمين السياسي في أوروبا.

ويؤكد لوس أن أوروبا لا تريد من ألمانيا فرض مصالحها بالضغط، بل تقديم دوافع توحيدية وإعطاء صوت للدول الأصغر.

وزير خارجية ليتوانيا حذَّر من أن حديث ميرتس عن الاستقلال التام عن واشنطن سابق لأوانه، لأنه لا بديل من الوجود الأمريكي حالياً، وحتى بإنفاق 5% على الدفاع، لن تبني أوروبا القدرات المطلوبة في عشر سنوات.

الرؤية البريطانية

 تصف جودي ديمبسي من معهد كارنيغي أوروبا قيادة ميرتس بأنها "ثورة كوبرنيكية" في الدور الألماني. توضح أن حجر الزاوية منذ 1945 كان ألا تتولّى ألمانيا قيادة دفاعية، وأن أمريكا افترضت ذلك الدور. اليوم، إدارة ترامب سحبت تلك الأسس، وعلى ميرتس وشركائه الأوروبيين التصعيد.

انطلق ميرتس بقوة رغم فشله الأولي في التصويت البرلماني، فزار باريس، وارسو، روما، بروكسل، كييف، ليتوانيا، واستضاف زيلينسكي بدعم ملموس. تحدد ديمبسي 3 مجالات رئيسة: إكمال التكامل المالي الأوروبي، وتعزيز التجارة الحرة عبر اتفاقيات دولية، ورفع الإنفاق الدفاعي لـ5% من الناتج المحلي.

لكن ديمبسي تحذر من أن أجندة ميرتس تعتمد على اتحاد يقف على حافة التشرذم بسبب الشعبوية المعادية للهجرة. مع صعود حزب البديل اليميني المتطرف لثاني أكبر قوة بـ20.8%، وانهيار حكومات في هولندا وصعود اليمين في فرنسا وبولندا، يصعب بناء تحالفات.

رهان تاريخي

تختم ديمبسي بأنه رغم ذلك لا سبب يمنع ميرتس من تقديم ما افتقدته ألمانيا: الطموح والاستراتيجية والقيادة. لكن الخبير دو أوزون يشدد في تصريحه لـ"إرم نيوز" على ضرورة "إعادة تسليح أوروبي فكري وسياسي وعسكري فرنسي وليس أمريكياً"، وأن على الأمم الأوروبية التحرر من استتباع الاتحاد للولايات المتحدة.

في هذه اللحظة التاريخية، يراهن الأوروبيون على ميرتس لقيادة تحول جذري. السؤال المصيري: هل سينجح في إعادة تشكيل قيادة أوروبية جماعية حقيقية، أم ستصطدم طموحاته بجدار الشعبوية والمصالح المتضاربة؟ الأشهر المقبلة ستحدد مصير رهان قد يكون الأخير لأوروبا على نفسها. 

أخبار ذات علاقة

ميرتس وقادة أوروبيين

ميرتس يقلب إرث أسلافه.. برلين تحشد الدعم الأوروبي خلف أوكرانيا

 

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC