في تصعيدٍ نوعي يعيد تشكيل المشهد في منطقة الساحل الأفريقي، استخدم تنظيم القاعدة لغة تهديد موجهة مباشرةً إلى رئيس بوركينا فاسو الانتقالي النقيب إبراهيم تراوري، وذلك في مؤشر على تمدد نشاط التنظيم المتطرف من مالي نحو الدولة المجاورة.
واستعرضت جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" التابعة لتنظيم القاعدة، أهدافها المعلنة ضد نظام تراوري من خلال فيديوهات دعائية مكثفة تتضمن تحديًا صريحًا ضد المجلس العسكري الحاكم في بوركينافاسو الذي اتهمته بـ"تعريض البلاد للمعاناة والفوضى"، في محاولة واضحة لتحريض الرأي العام البوركيني ضد السلطة.
واستغل التنظيم العامل العرقي عبر الفيديوهات باللغة المورية والفولانية، وادعى أنه "لا يميز بين الجماعات العرقية" وأن رسائله تستهدف جميع مكونات منطقة الساحل.
"الفولاني" ثاني أكبر مجموعة عرقية في بوركينا فاسو بعد الموسي، ويعيشون في مناطق مختلفة، بما في ذلك المدن التي تحمل أسماءهم.
لكن شعب الفلان وجد نفسه محاصرًا بين سندان المقاتلين المسلحين ومطرقة الجيش ووكلائه في السلطة، فلم يعد له، مع استمرار الانتهاكات ضده، سوى البقاء على قيد الحياة في ظروف صعبة.
وتستهدف هذه الحركة الاستراتيجية، كسر الصورة النمطية للجماعة والتغلغل في القاعدة الاجتماعية في بوركينا فاسو، ما يبرز الدخول في مرحلة جديدة من الصراع، حيث تعتزم جماعة نصرة الإسلام تقديم نفسها كـ"بديل عابر للحدود"، وليس فقط كفصيل متمرد، مما يُبقي تراوري في موقعه في وضع شديد الهشاشة.
ويشير مراقبون إلى أنه في بوركينا فاسو، ترسخ واقع مقلق عقب تكثيف الجماعات المسلحة المتطرفة نشاطها لتجنيد السكان المحليين، مستغلة الثغرات الأمنية وإحباطات الشعب. ولم يسبق لهذه الجماعات أن جندت هذا العدد الكبير من البوركينيين، ما يثبت أن الدولة تخسر نفوذها ليس فقط في ساحة المعركة، بل أيضًا في عقول مواطنيها.
وتقول أوساط أمنية في دولة مجاورة لبوركينا فاسو لـ"إرم نيوز"، إنه "لم يعد المتطرفون يكتفون بالتهديدات، بل يعرضون اليوم على السكان المال والدراجات النارية الجديدة، ووعد الحماية مقابل الولاء الصامت أو الفعال".
كما أصبحت المجتمعات النائية، التي شهدت أو وقعت ضحية انتهاكات ارتكبتها القوات المسلحة أحيانا، عُرضةً لهذه العروض.
وفي رأيه، عندما تصل الجماعات المتشددة إلى هذا المستوى من النفوذ والاندماج، فهذا يعني أنها لم تعد تنوي مغادرة هذه المناطق، فقد ترسخت سيطرتها، وأصبح من الصعب زعزعتها.
وحاليا تُشير تقارير غربية عدة إلى أن مجموعات مسلحة مرتبطة بتنظيمي القاعدة وداعش تُسيطر على أكثر من 40% من أراضي بوركينا فاسو، في حين يسعى الجيش جاهداً لاستعادة السيطرة على أراض واسعة من شمال وشرق البلاد.
ويوم 12 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، أعلن رئيس بوركينا فاسو، النقيب إبراهيم تراوري، أن جيش بلاده حقق انتصارات كبيرة أمام الجماعات المتشددة ونجح في سحق معاقل الإرهاب، في عملية عسكرية هجومية واسعة النطاق من أجل استعادة السيطرة على أراضي البلد الواقع في غرب أفريقيا
وتراوري، الذي يتولّى حكم بوركينا فاسو منذ أكثر من عامين عقب انقلاب عسكري أبيض، أشاد بما وصفه بـ"التقدم المُحرَز في عدة قطاعات استراتيجية"، داعياً جميع مكوّنات الشعب البوركيني إلى مضاعفة الجهود لتحقيق السيادة الكاملة للبلاد.
ويأتي التهديد ضد بوركينا فاسو في وقت تشهد فيه مالي، جارتها، منذ سبتمبر موجة جديدة من هجمات جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وصلت حتى مشارف العاصمة باماكو. وقد دفع ذلك قائد المجلس العسكري، العقيد أسيمي غويتا، إلى إطلاق عملية عسكرية واسعة تحت اسم "فوكه كيني"، أي "التطهير" بلغة البامبارا، بهدف فك الخناق الذي تفرضه الجماعة على جنوب البلاد عبر حصار غير مسبوق لإمدادات الوقود.