مع تنامي أزمة "قلة" السكان الأصليين وارتفاع عدد المهاجرين، تشهد اليابان صعوداً "صاروخيا" لحزب قومي يُدعى "سانسيتو" بقيادة سوهي كاميا، الذي يُلقب بـ"ترامب الصغير" لأسلوبه الشعبوي وشعاره "اليابان أولاً"، الذي يحاكي شعار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب.
ويجمع الحزب بين الناخبين الشباب الساخطين، المحافظين التقليديين، ومنظري المؤامرة، مستغلاً مخاوف الهجرة والعولمة لتحقيق مكاسب انتخابية غير مسبوقة، وفق تقرير لصحيفة "الغارديان" البريطانية.
ومع انخفاض معدلات المواليد وارتفاع الاعتماد على العمال الأجانب، يقدم كاميا رؤية قومية ترفض الاعتماد على المهاجرين، محذّرًا من "غزو صامت" يهدد الهوية اليابانية.
وكاميا، البالغ 47 عامًا، يقف على سيارته الانتخابية في شوارع طوكيو، منتقدًا المؤسسة السياسية بشدة، مستلهمًا أسلوب دونالد ترامب. فحزب "سانسيتو"، الذي يعني "حزب المشاركة السياسية"، يُوصف بأنه يميني متطرف وقومي، يستهدف المهاجرين والنخب الليبرالية ورأس المال الأجنبي.
ورغم رفضه في السابق كحزب مناهض للهجرة، حيث حصل على مقعد واحد فقط في مجلس الشيوخ، إلا أنه الآن في صعود واضح، إذ حصل على 15 مقعدًا في الانتخابات الأخيرة.
وينفي كاميا وصف حزبه باليمين المتطرف، معتبرًا إياه "تشهيرًا" من وسائل الإعلام، وفي مقابلة مع "الغارديان" في مكتبه البرلماني، قال: "نحن لسنا مناهضين للهجرة، بل نؤيد فرض قيود أكثر صرامة عليها"، أما معاداة الأجانب، فيصفها بأنها "سوء فهم محض".
لا مهاجرين ولا أجانب
ويهدف الحزب إلى بناء دولة "لا تعتمد على المهاجرين والأجانب"، مستغلًا ارتفاع أعداد المهاجرين الذين بلغوا نحو 4 ملايين مع بداية العام، لسد فجوات في القوى العاملة، بينما تأتي هذه السياسات في سياق أزمة سكانية حادة، حيث انخفض عدد اليابانيين إلى 120.6 مليون نسمة، وهو أدنى مستوى قياسي.
ويدعو كاميا إلى تشجيع النساء الشابات على التركيز على الإنجاب بدلاً من العمل؛ ما أثار غضب دعاة المساواة بين الجنسين، كما استخدم مصطلحًا عنصريًا تجاه السكان الكوريين العرقيين في اليابان، اعتذر عنه لاحقًا.
ويركز الحزب على "القيم التقليدية"، مستلهمًا مرسوم الإمبراطور للتعليم العام 1890 الذي يدعو إلى الولاء المطلق للإمبراطور والتضحية من أجل الأمة، كما يدعو أعضاؤه إلى امتلاك أسلحة نووية، ومعارضة زواج المثليين.
ولاقت رسالة "اليابان أولاً" صدىً لدى فئات متنوعة، بما في ذلك منظري المؤامرة الذين يرون في جائحة كوفيد-19 "سلاح سيطرة"، ومعارضي "الدولة العميقة"، نظرية مؤامرة أمريكية المنشأ تفيد بسيطرة سرية من نخب السياسة والأعمال والإعلام.
ويقول كاميا: "نحتاج إلى سياسات تعطي الأولوية لحياة الناس، ولهذا نظمنا حملة لوضع اليابانيين في المقام الأول". كما يحذر من تجاوز نسبة المهاجرين 10% من السكان خلال عقد، قائلاً: "سيكون ذلك مفاجئًا للغاية. سأشعر بالقلق إذا أصبحت اليابان مثل أمريكا.. ستفقد أصالتها وسحرها".
اليمين مع اليمين
يُقارن صعود سانسيتو بحركات أوروبية مثل "إصلاح المملكة المتحدة" بقيادة نايجل فاراج، وحزب "البديل من أجل ألمانيا"، و"إخوان إيطاليا" بقيادة جورجيا ميلوني، التي استغلت مخاوف الهجرة للوصول إلى السلطة.
وفي اليابان، دفع هذا الزخم الحكومة إلى إعلان سعيها لـ"صفر" من الأجانب غير الشرعيين، مع قيود محتملة على الوافدين الجدد وضمان "التكامل الاجتماعي"، رغم ذلك، يواجه الحزب اتهامات بالتمييز والعنصرية.
ينفي كاميا أن يكون حزبه يجر السياسة نحو اليمين المتطرف: "عندما يتعلق الأمر بمناهضة العولمة، يُصنفنا دائماً كيمينيين متطرفين.. لكن هناك محافظون وليبراليون داخل سانسيتو"، كما يقول.
ويراهن "ترامب الياباني" على مستقبل أطول، مع مجموعة برلمانية تضم 18 نائبًا، متوقعًا انضمام أحزاب صغيرة إلى ائتلافات يمينية في مشهد سياسي متصدع، إذ يقول: "هدفي الأكبر بناء حزب قوي بما يكفي لتولي الحكومة".
مع ذلك، يرى مراقبون أن صعود سانسيتو يعكس تحولاً أوسع في اليابان، حيث تُحول الأزمة السكانية الهجرة إلى قضية وطنية، رغم أن نسبة المولودين في الخارج تبلغ 3% فقط مقارنة بـ15% في أمريكا، إلا أن كاميا يحذر من "وضع أكثر صعوبة" كالذي في أوروبا.