بين التصعيد الجمركي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية، يتشكل في الخفاء تحالف غير مسبوق بين الهند، والصين، وروسيا.
ثالوث جيوسياسي – اقتصادي يعيد رسم موازين القوة العالمية، ويقترب حجمه من 54 تريليون دولار، ما يجعله منافساً مباشراً للنظام الذي هيمنت عليه واشنطن لعقود.
زيارة الرئيس الروسي المرتقبة فلاديمير بوتين إلى الهند في نهاية عام 2025، وقبلها مشاركة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في قمة منظمة شنغهاي للتعاون في الصين، ليست محطات بروتوكولية عابرة؛ بل ملامح تحالف أوراسي صاعد، حيث تتلاقى مصالح التنين، والدب، والنمر، في مواجهة ضغوط البيت الأبيض ورسومه الجمركية.
وأكد خبراء الاقتصاد أن تعريفات ترامب لن تُحدث صدمة حقيقية في حركة التجارة العالمية، لكنهم يرونها عاملاً حاسماً في إعادة ترتيب الاصطفافات الجيوسياسية، بحسب موقع "لايف مينت" الهندي.
ودفع الاعتماد المفرط على الدولار الأمريكي، والعقوبات الغربية على موسكو، والتنافس الصناعي بين بكين وواشنطن، روسيا والصين والهند إلى البحث عن مسار بديل يعيد التوازن، ويقوّض الهيمنة الغربية.
1: قوة في الوحدة.
تُنتج الهند، والصين، وروسيا، مجتمعةً، ما يقرب من ثلث الاقتصاد العالمي (53.9 تريليون دولار وفقاً لتعادل القوة الشرائية)، وتضم 3.1 مليار نسمة – أي ما يعادل 38% من سكان العالم؛ وكأن 3 أنهار جبارة اندمجت لتصبح سيلًا جارفاً من القوة والطموح.
2: هيمنة على الصادرات.
بصادرات تبلغ 5.09 تريليون دولار – أي خُمس تجارة السلع العالمية – واحتياطات أجنبية قدرها 4.7 تريليون دولار، يملك الثلاثي درعاً مالية صلبة.
هذا بجانب أكبر سوق استهلاكية في التاريخ، تعطش للسلع والتكنولوجيا، ما يجعل أي محاولة لعزل هذه القوى محكومة بالفشل.
3: كسر احتكار الدولار
لجأت نيودلهي وبكين بعد العقوبات الغربية على موسكو، إلى شراء النفط الروسي بالعملات المحلية، في خطوة إستراتيجية تُعزز مسار إلغاء الدولرة.
ومع تصاعد التوتر التجاري، تتحول هذه التجربة إلى سلاح مالي يُضعف قبضة الدولار، ويعيد تشكيل النظام النقدي العالمي.
4: تحدي هيمنة واشنطن الدفاعية.
رسوم ترامب ليست اقتصادية فحسب، بل هي جزء من إستراتيجية لفرض صفقات دفاعية حصرية عبر الناتو؛ غير أن هذا الضغط بات يحرّض موسكو، وبكين، ونيودلهي، على بناء شراكة عسكرية واقتصادية تخرج من تحت المظلة الأمريكية.
5: نهضة شراكة أوراسية.
توفر روسيا الطاقة الرخيصة، وتمثّل الصين القاعدة الصناعية، بينما تملك الهند اقتصاد الخدمات والأسواق الواعدة؛ لذلك يُعد ذلك مزيجاً متكاملاً يخلق كتلة أوراسية صلبة قادرة على استغلال الثغرات التي فتحتها الرسوم الأمريكية لصياغة بديل تجاري عالمي جديد.
من جانبه، يصف مانيـش بهانداري، عضو مجلس إدارة "فالوم كابيتال" الهندية، هذا التقارب بأنه تحول جذري من نظام أحادي القطب إلى آخر متعدد الأقطاب، حيث تصبح طرق التجارة الغربية في مواجهة بدائل أوراسية صاعدة.
وأضاف "بهانداري" لـ"لايف مينت" أن روسيا ستوفر الطاقة الرخيصة والموارد لحلفائها، بينما تعزز الصين موقعها عبر الاستثمار في الكيانات الهندية والانفتاح على أسواق جديدة محليًا وعالميًا.؛ أما الهند، التي طالما بقيت على هامش منظومة التصدير العالمية، فهي تقف، اليوم، على أعتاب عودة قوية.
في السياق أيضًا، يرى غوراف غويل من شركة "فينوكرات تكنولوجيز" الهندية، أن هذا الثالوث قد يمنح الهند ورقة ضغط تاريخية للتفاوض مع بكين بشأن مبادرة الحزام والطريق، بينما تبحث الشركات العالمية عن بدائل لسلاسل التوريد التقليدية.
بينما تُصرّ الولايات المتحدة على رهن العالم بالدولار وأدواتها التجارية، يُولد من رحم الأزمة محور جديد: تنين الشرق، ودب الشمال، ونمر الجنوب. قوة اقتصادية بوزن يتجاوز 54 تريليون دولار، وسوق بشرية لا تُضاهى، ترفع التحدي في وجه النظام الدولي الراهن.