كشفت مصادر روسية النقاب عن حزمة مطالب جديدة وضعتها موسكو كشرط لإنهاء الحرب في أوكرانيا، في خطوة تعكس تصعيدًا محسوبًا لا يخلو من الرسائل الاستراتيجية.
ورغم أن الشروط الأساسية لم تتغير منذ عام 2022، فإن المستجدات الأخيرة تفتح الباب أمام مرحلة أكثر تعقيدًا، ليس فقط في العلاقات الروسية الأوكرانية، بل في توازن القوى العالمي بأسره.
وأكد مصدر سياسي روسي، أن موسكو أضافت مؤخرًا مجموعة من المطالب الجديدة، التي وصفها بـ"الصارمة"، مشددًا على أن هذه المطالب تتعلق بشكل مباشر بمستقبل أوكرانيا وهويتها السياسية والعسكرية.
وأوضح المصدر في تصريحات خاصة لـ"إرم نيوز"، أن الشروط الروسية تشمل تقليص حجم الجيش الأوكراني بشكل كبير، وفرض ضمانات قانونية بعدم انضمام كييف إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو" والاعتراف الكامل بالمناطق التي ضمتها روسيا وسيطرت عليها.
وأشار المصدر إلى أن الشروط الروسية الإضافية تتضمن أيضا توفير حماية شاملة للمتحدثين باللغة الروسية ومنع اضطهاد القومية الروسية داخل أوكرانيا، بما في ذلك السماح بحرية استخدام اللغة الروسية في التعليم والإعلام والحياة العامة.
وأضاف المصدر أن موسكو تشترط أيضًا إحداث تغييرات جوهرية في قمة الهرم السياسي الأوكراني، معتبرًا أن الحكومة الحالية في كييف غير شرعية من وجهة النظر الروسية، ولا يمكن التفاوض معها إلا إذا حدث تغيير جذري في بنيتها وتوجهاتها.
وبيّن أن الكرملين يتعامل بازدواجية مع مسألة الاعتراف بالحكومة الأوكرانية، ففي حين تعد شبه معترف بها على المستوى الرسمي في بعض الملفات، إلا أن الرواية الرسمية تصفها بالحكومة "النازية وغير الشرعية".
وشدد المصدر على أن احتمالات التغيير السياسي لا تقتصر على أوكرانيا فقط، بل قد تمتد إلى الداخل الروسي أيضًا، مرجحًا أن تشهد الدولتان تغيرات كبيرة في بنيتهما السياسية خلال المرحلة المقبلة.
وقال المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية الدكتور محمود الأفندي، إن الحل الجذري للصراع مرتبط بتغير النظرة الغربية للصراع الجيوسياسي القائم.
وأكد في تصريحات خاصة لـ"إرم نيوز"، أن الشروط الروسية المطروحة تعكس رؤية استراتيجية مغايرة للرؤية الأمريكية والغربية؛ إذ ترى موسكو أن الحرب لا تدور فقط مع أوكرانيا، بل مع تمدد "الناتو" على حدودها.
وأشار الأفندي إلى أن الكرملين يعتبر المواجهة الراهنة امتدادًا لحرب أوسع مع الغرب، بينما تتعامل العواصم الغربية معها باعتبارها أزمة محلية بين دولتين.
وأوضح أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتقدم على عدة مستويات، عسكريًا وسياسيًا واستراتيجيًا، ويهدف من خلال هذه الشروط إلى فرض "خريطة سلام جديدة" في أوروبا تتجاوز اتفاقية "جدار برلين" لعام 1989 التي نصّت على عدم توسع الناتو شرقًا.
وشدد الدكتور الأفندي على أن موسكو ترى في انضمام دول مثل رومانيا وبولندا ودول البلطيق إلى "الناتو" تهديدًا مباشرًا، وتعتبر التراجع عن هذا التمدد ضرورة لحل الأزمة.
وأضاف أن أي تسوية حقيقية تتطلب معالجة جذور الصراع، وفي مقدمتها كبح جماح توسع "الناتو"، خاصة في ظل غياب حلف موازٍ مثل "وارسو" وسقوط معادلة الحرب الباردة.
وذكر الأفندي أن الشروط الروسية، وإن كانت موجّهة رسميًا إلى كييف، إلا أنها موجهة فعليًا إلى الولايات المتحدة، باعتبارها صاحبة القرار في المنظومة الغربية.
ولفت إلى أن رفع سقف المطالب الروسية مؤخرًا لا يعني التصعيد، بل يعكس رغبة في تثبيت شروط قابلة للتطبيق في المستقبل، بشرط وجود ضمانات مكتوبة من "الناتو" والولايات المتحدة بعدم التوسع شرقًا، وإعادة النظر في وضع الدول المجاورة لروسيا ضمن الحلف.
ونوه الدكتور الأفندي إلى "أن هذه الشروط، من وجهة النظر الروسية، واقعية، ولن يكون تنفيذها ممكنًا إلا عبر قرار أمريكي مباشر"، مشيرًا إلى أن الأيام المقبلة ستكشف مدى استعداد إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للتجاوب معها.