الكرملين: مشاركة الأوروبيين في مفاوضات أوكرانيا "لا تبشّر بالخير"
تكشف الجولة الأفريقية الأخيرة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن واقع جديد لم يعد فيه النفوذ الفرنسي كما كان، في ظل تحول التحالفات وتزايد النفوذ الروسي والصيني.
وتحمل الرحلة، التي بدأت في موريشيوس وتختتم بمنصة قمة مجموعة العشرين في جوهانسبرغ، طابعًا عاجلًا مع تبقي نحو 18 شهرًا فقط على نهاية ولايته في 2027.
ماكرون، الذي بدأ ولايته بوعود بتفكيك إرث الاستعمار الفرنسي وإقامة شراكات قائمة على المساواة، يجد نفسه اليوم في سباق لإصلاح تحالفات متصدعة بينما تتوسع رقعة المنافسة الدولية في القارة، بحسب موقع "ذا أفريقا ريبورت".
الفراغ الفرنسي والخصوم الصاعدون
بدأت سياسة ماكرون تجاه أفريقيا بخطوات رمزية، أبرزها خطاب واغادوغو في 2017، الذي وعد بالتخلي عن الوصاية الفرنسية، إعادة الكنوز الأفريقية، وتعزيز الشراكة الاقتصادية.
لكن هذه الطموحات اصطدمت بواقع محفوف بالتحديات، مثل موجة انقلابات عسكرية في منطقة الساحل، بما في ذلك مالي وبوركينا فاسو والنيجر، التي أدت إلى طرد القوات والدبلوماسيين الفرنسيين وفرض انسحاب عسكري كامل بحلول 2025.
في هذا الفراغ، برزت قوة مرتزقة فاغنر الروسية واستثمارات الصين، التي قدّمت بدائل جذابة للمجالس العسكرية الأفريقية، بما في ذلك التمويل والبنية التحتية والتكنولوجيا العسكرية.
كما بدأت بعض الدول تتخلى عن الفرنك الأفريقي، في حين تبحث دول مثل أنغولا عن شركاء متعددين بعيدًا عن النفوذ الفرنسي التقليدي.
في هذا السياق، يصبح الهدف الفرنسي بإعادة التوازن لشراكاته في أفريقيا تحديًا مركبًا، خاصة مع استمرار التنافس على النفوذ الجيوسياسي والاقتصادي.
استياء شعبي واقتصادي
واجهت وعود ماكرون صعوبات عملية، إذ لم تنفذ التعهدات خلال جائحة كوفيد-19 بشأن تخفيف عبء الديون وتوفير اللقاحات، بينما أدت موجات الركود العالمية إلى تعقيد هدف زيادة حجم التجارة إلى 200 مليار يورو.
وأثارت التدخلات الفرنسية المستمرة في موارد مثل اليورانيوم بالنيجر والمناورات السياسية في تشاد موجة من الانتقادات، وصفت بأنها "استعمار جديد".
وأشعلت زلة لسان ماكرون في 2025، حين دعا الأفارقة إلى الامتنان لفرنسا، غضبًا شعبيًا وأعادت إحياء حركة "فرنسا، اصمتي"، مع انعكاسات مباشرة على الأعمال الفرنسية.
وتواجه شركات كبرى مثل توتال إنرجيز مقاطعة متزايدة، بينما تستفيد شركات صينية وتركية من الفراغ الفرنسي في مجالات الموانئ والطائرات المُسيّرة، في تأكيد على أن النفوذ الاقتصادي أصبح مرتبطًا أكثر بالشراكات العملية غير المشروطة من التراث الاستعماري.
مع بقاء أقل من عامين في منصبه، تبدو فرص ماكرون لإعادة صياغة إرثه الأفريقي ضيقة؛ فمنصة قمة مجموعة العشرين تمنحه فرصة لدعم القضايا الأفريقية على الصعيد العالمي، خصوصًا في مجالات التمويل والاستثمار المناخي الذي يمكن أن ينعكس إيجابيًا على الاقتصادات المحلية.
لكن المفارقة الجوهرية تظل قائمة: رؤية ماكرون للشراكة والتجديد انهارت أمام التحديات الواقعية والتحولات الجيوسياسية.
وأمام فرنسا خياران رئيسيان؛ الأول إعادة تعريف نفسها كشريك حقيقي ومساوٍ للقوى الأفريقية، ويركز على مصالح متبادلة وعلاقات مستدامة، والثاني المخاطرة بفقدان مكانتها في الحقبة الجديدة التي لم تعد فرنسا رائدة فيها.
في النهاية، تكشف الجولة الأخيرة أن النفوذ الفرنسي في أفريقيا لم يعد مفروضًا من الماضي الاستعماري، بل أصبح رهينة القدرة على التكيف مع تحالفات متغيرة، خصوم صاعدين، وشعوب تبحث عن شراكات ملموسة أكثر من الرموز التاريخية.
ويعتمد نجاح ماكرون اليوم على القدرة على تحويل المبادرات الرمزية إلى نتائج ملموسة قبل أن تُصبح هذه الحقبة مجرد صفحة من التاريخ.