تستعد الكاميرون اليوم الخميس، لتنصيب الرئيس بول بيا لولاية تاسعة، وسط توترات سياسية وأمنية غير مسبوقة منذ إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية.
فبينما يواصل الرئيس البالغ من العمر 92 عامًا ترتيب مراسم حفل التنصيب، يطعن زعيم المعارضة عيسى تشيروما باكاري في شرعية النتائج، متهمًا المجلس الدستوري بتعيين "رئيس من داخل النظام" بدلًا من الاعتراف بـ"الرئيس المنتخب"، في إشارة إلى نفسه، وفق مجلة "جون أفريك".
جاء الإعلان الرسمي عن موعد الحفل متأخرًا مساء الرابع من نوفمبر، حين بثت الإذاعة الوطنية بيانًا صادرًا عن مدير الديوان المدني للرئيس، صمويل مفوندو أيولو، أكد فيه أن مراسم أداء اليمين الدستورية ستُعقد في الموعد المقرر بالعاصمة ياوندي.
ورغم هذا الإعلان، فإن المشهد السياسي في البلاد لا يوحي بالاستقرار، إذ يواصل الشارع حالة الاحتقان التي أعقبت نتائج الانتخابات المتنازع عليها في 12 أكتوبر/ تشرين الأول.
التحضيرات وسط إجراءات أمنية مشددة
منذ مطلع الأسبوع، انهمكت السلطات الكاميرونية في تجهيز العاصمة ياوندي لاستقبال الحدث. تمت إعادة رصف الطرق التي سيمر عبرها الموكب الرئاسي بين قصر إيتودي ومبنى الجمعية الوطنية الجديد، فيما باشر الحرس الرئاسي تدريباته النهائية بإشراف مباشر من كبار الضباط.
كما تولى مكتب المراسم إرسال الدعوات الرسمية، بناءً على تعليمات مشددة من الرئيس بيا لضمان "تنظيم مثالي خالٍ من الأخطاء"، وفق ما نقل مدير الديوان المدني في اجتماع عقد بالقصر الرئاسي.
وتم تكليف الأمين العام لحزب "حركة الشعب الديمقراطية الكاميرونية" الحاكم، جان نكويتي، بحشد أنصار الحزب لإظهار الشرعية الشعبية للرئيس، في مواجهة المعارضة التي تصر على رفض النتائج.
أما وزير الدفاع جوزيف بيتي أسومو، فسيقود الجهود الأمنية لضمان مرور المراسم دون اضطرابات، في وقت لا تزال فيه البلاد تعاني من تداعيات "أزمة ما بعد الانتخابات".
سيُقام حفل التنصيب على أربع مراحل تبدأ في مبنى الجمعية الوطنية، حيث يؤدي الرئيس اليمين أمام النواب المجتمعين في الكونغرس، تليها مراسم منح وسام "الأستاذ الأكبر للأوسمة الوطنية" في القصر الرئاسي، ثم استقبال السلك الدبلوماسي وكبار المسؤولين، ليختتم اليوم بحفل رسمي.
وكل ذلك سيتم وسط تغطية إعلامية مكثفة تشرف عليها وحدة الاتصالات التابعة للمجلس المدني، لضمان بثّ موحد وتفادي أي "صور محرجة" للرئيس خلال ظهوره العلني، وفق التعليمات الصادرة لقنوات الدولة.
لكن خلف هذا المشهد الرسمي المنضبط، تلوح أزمة ثقة عميقة بين السلطة والمعارضة. فدعوات المعارضة إلى "مدن الأشباح" — أي الإضرابات العامة — أصابت الحياة في المدن الرئيسة بالشلل لليوم الثالث على التوالي، بينما تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة للاشتباكات بين المحتجين وقوات الأمن.
معارضة منفية ومجتمع دولي مترقب
يُعتقد أن عيسى تشيروما باكاري، زعيم المعارضة، يقيم حاليًا على مقربة من الحدود النيجيرية، بعد تصاعد الملاحقات ضده. وفي رسالة مصوّرة نشرها في الرابع من نوفمبر، أكد أن "العد التنازلي لمن هم في السلطة قد بدأ"، معتبرًا نفسه "الرئيس المنتخب"، دون أن يوضح خطواته التالية.
ورغم توجيه الدعوات إلى المرشحين المعارضين لحضور الحفل، إلا أن معظمهم قرر المقاطعة، فيما أعلن المرشح جاك بوهغا هاغبي وحده عن نيته الحضور.
كما يتوقع أن يحضر سفراء الدول الغربية، الذين قاطعوا مراسم إعلان النتائج، في إشارة إلى مراقبة حذرة دون انخراط سياسي مباشر، بينما لم يعلن أي رئيس دولة أجنبية حضوره حتى الآن.
يُعد تنصيب بول بيا للمرة التاسعة يجسد نموذجًا مألوفًا في السياسة الإفريقية، حيث تترسخ الأنظمة رغم تصاعد المعارضة وتدهور الثقة العامة.
فبينما تسعى الحكومة لإظهار صورة "الاستقرار والاستمرارية"، يرى مراقبون أن استمرار التوترات في المناطق الناطقة بالإنجليزية، وتصاعد الاحتجاجات في المدن الكبرى، قد يجعلان من هذه الولاية اختبارًا صعبًا لبيا ونظامه، في مرحلة تشهد فيها الكاميرون واحدة من أكثر لحظاتها هشاشة منذ عقود.