تتجه الأزمة السياسية في الكاميرون إلى مزيد من التصعيد بعد إعلان وزير الداخلية بول أتانجا نجي أن زعيم المعارضة عيسى تشيروما باكاري سيواجه إجراءات قانونية بتهمة التحريض على الاحتجاجات العنيفة التي أعقبت الانتخابات الرئاسية في 12 أكتوبر.
وبحسب موقع "ستراتفور"، فإن الانتخابات التي منحت الرئيس المخضرم بول بيا ولاية ثامنة بنسبة 53.66% من الأصوات أثارت جدلاً واسعًا، بعدما رفض باكاري الاعتراف بالنتائج مدّعيًا أنه فاز بأكثر من 60%.
ومنذ إعلان النتائج في 27 أكتوبر، تشهد مدن دوالا وياوندي وغاروا اضطرابات متواصلة، وسط انتشار أمني مكثف واتهامات للحكومة باستخدام القوة المفرطة لتفريق المحتجين.
ويرى مراقبون أن تحريك الدعوى ضد باكاري يهدف إلى كبح تصاعد الاحتجاجات وإجباره على القبول بعرض المشاركة في الحكومة، خاصة بعد تداول أنباء عن نية الرئيس بيا منحه منصبًا رفيعًا مثل رئاسة الوزراء.
لكن استمرار باكاري في تحدي نتائج الانتخابات قد يعرّضه لخطر الاعتقال ويقود إلى مزيد من الانفجار الشعبي في المناطق الشمالية التي تُعد معقله السياسي والاجتماعي.
احتمالات التصعيد
يشير محللون إلى أن المواجهة بين المعارضة والحكومة قد تفتح الباب أمام أزمة أعمق داخل النظام الحاكم نفسه؛ فبعد أكثر من أربعة عقود من حكم بول بيا، تزايدت التوترات داخل النخبة السياسية والعسكرية، خصوصًا مع تقدم الرئيس في السن وتراجع الثقة في استمرارية النظام بنفس الصيغة.
وفي حال استمرار الاحتجاجات واتساع رقعتها، قد يُواجه النظام ضغوطًا داخلية من المؤسسة العسكرية التي تخشى فقدان السيطرة الأمنية أو تضرر مصالحها الاقتصادية.
ويُرجّح أن تشهد البلاد انقسامات في الدوائر المقربة من بيا، بين مؤيدين لاحتواء الأزمة عبر الحوار، وآخرين يدفعون باتجاه الحسم الأمني الصارم.
كما أن استمرار الشلل الاقتصادي في الموانئ الحيوية، مثل دوالا، يُنذر بتدهور الوضع المعيشي وازدياد السخط الشعبي. هذا السيناريو قد يعيد إلى الأذهان أحداث 2008، حين اندلعت اضطرابات واسعة احتجاجًا على تعديل الدستور، وأدت إلى سقوط عشرات القتلى.
مخاطر أمنية
في الوقت الذي تنشغل فيه السلطات بمواجهة الاحتجاجات، يُحذر الخبراء من أن منطقة أقصى الشمال الكاميروني قد تشهد فراغًا أمنيًا تستغله جماعة بوكو حرام لتكثيف هجماتها.
فالمناطق الحدودية مع نيجيريا وتشاد تعاني هشاشة أمنية مزمنة، ومع انشغال الجيش في الداخل، تتزايد فرص تمدد الجماعات المسلحة واستقطاب الشباب الساخطين سياسيًا واقتصاديًا.
وتُشير تقديرات أمنية إلى أن الاضطرابات الحالية قد تُعطّل التعاون الإقليمي لمكافحة الإرهاب في حوض بحيرة تشاد؛ ما يفاقم التهديدات العابرة للحدود.
تواجه الكاميرون اليوم مفترق طرق حاسمًا: إما احتواء الأزمة عبر تسوية سياسية تفتح الباب أمام إصلاح انتخابي جاد، أو الانزلاق نحو دورة جديدة من العنف والانقسام.
وبينما يسعى الرئيس بول بيا لتثبيت حكمه التاريخي، يبدو أن شرعية النظام باتت تواجه تحديًا داخليًا غير مسبوق منذ عقود؛ ما يضع البلاد أمام اختبار حقيقي لاستقرارها السياسي والأمني في المدى القريب.