logo
العالم

"في قلب التوتر".. رادار أمريكي يضع ترينيداد وتوباغو على خط أزمة فنزويلا

رادار أمريكي في ترينيداد وتوباغوالمصدر: رويترز

وضعت الأزمة المشتعلة في فنزويلا الدولة الجزرية "ترينيداد وتوباغو" في قلب العاصفة، حيث باتت مشرذمة ما بين حساباتها الطاقية والاقتصادية مع كراكاس من جهة، وتحالفاتها العسكرية والاستراتيجية مع واشنطن من جهة ثانية. 

أخبار ذات علاقة

ناقلة نفط فنزويلية

فنزويلا تتهم ترينيداد وتوباغو بالمشاركة مع واشنطن في احتجاز ناقلة نفط

ومع أن الشواهد تؤكد أنّ ترينيداد وتوباغو أقرب إلى الولايات المتحدة من فنزويلا، فإنّها تسعى إلى المحافظة على "خطاب التوازن" بين الطرفين اللدودين.

فنزويلا تفتح النار

وفي موقف تصعيدي ضدّها، اتهمت كراكاس مؤخرا ترينيداد وتوباغو بالمشاركة بمعية واشنطن في اعتراض واحتجاز ناقلة نفط قبالة السواحل الفنزويلية.

وجاء في بيان صادر عن نائبة الرئيس، وزيرة النفط ديلسي رودريغز أنّ فنزويلا تُعلن أنها على علم كامل بمشاركة ترينيداد وتوباغو في سرقة النفط الفنزويلي التي ارتكبتها الإدارة الأمريكية في العاشر من كانون الأول/ ديسمبر الجاري.

وأضاف البيان أنّ فعل القرصنة هذا، يُشكّل انتهاكا خطيرا للقانون الدّولي، وتعديّا واضحا على مبادئ الملاحة والتّجارة الحرّة، مشيرا إلى أنّ رئيسة الحكومة كاملا بيرساد بيسيسار كشفت عن عداء لفنزويلا منذ توليها السلطة في أيار/ مايو الفائت.

وأعلنت واشنطن في التاريخ المذكور أن قوّاتها صادرت ناقلة نفط قبالة سواحل فنزويلا، في سابقة تشهدها الأزمة بين واشنطن وكراكاس التي ندّدت بـ"قرصنة دولية".

وبحسب واشنطن، كانت السفينة تنقل نفطا من فنزويلا وإيران وقد فرضت عليها الخزانة الأمريكية عقوبات في 2022 بسبب علاقاتها بالحرس الثوري الإيراني وحزب الله.

كما قررت حكومة فنزويلا "الوقف الفوري لأي عقد أو اتفاق أو مفاوضات حول التزويد بالغاز الطبيعي". وسبق أن أوقف الرئيس نيكولاس مادورو اتفاقات الغاز آخر تشرين الأول/أكتوبر.

فشل في إدارة الصراع

ويعتبر مراقبون للشأن الأمريكي اللاتيني، أنّ "ترينيداد وتوباغو" عجزت عن إدارة الصراع بين كاراكاس وواشنطن، وفشلت أيضا في إيجاد التوازن اللازم بين الدور المطلوب أمريكيا والدور المفترض كدولة جارة لفنزويلا وعلى حدودها الشمالية، حيث تبعد عنها قرابة 10 كيلومترات فقط.

ويرجّح المراقبون أن تكون ترينيداد وتوباغو قد وضعت كافة البيض السياسي والاستراتيجي في السلة الأمريكية، إذ باتت تلعب دورا أمنيا واستراتيجيا خطيرا لصالح واشنطن، مستغلة قربها الجغرافي الشديد من فنزويلا.

ولئن اعتبرت السلطة السياسية في ترينيداد وتوباغو أنّها تؤدّي وتؤمّن دورا تعديليا في الصراع، وتسعى إلى استغلال علاقاتها مع واشنطن للحيلولة دون الحرب المباشرة والتّي قد تُدخل المنطقة برمتها في أتون من النزاعات الإقليمية والدولية الخطيرة، فإنّ الوقائع المرصودة خلال الفترة الأخيرة تؤكد أنّها باتت أقرب إلى القاعدة العسكرية الأمريكية المتقدمة لضرب فنزويلا.

شواهد أمنية خطيرة 

اعتمدت ترينيداد وتوباغو على اتفاقيات تعاون عسكري مشترك بينها وبين واشنطن، لتوسيع وتعزيز التعاون الأمني واللُّوجستي والعسكري مع واشنطن، إذ تم رصد تزوّد مقاتلات أمريكية وتناوب الجنود في مطار "بياركو" الدولي، مرات عديدة.

كما ضبطت مصادر أمنية ميدانية تزوّد الطائرات الأمريكية بالوقود وتناوب الأفراد، ونشر أنظمة رادارية أمريكية متقدمة لتعزيز المراقبة الجوية في مطار "آرثر إن آر روبنسون الدولي"، إضافة إلى استقبال السفن الحربية الأمريكية على غرار المدمرة "يو إس إس غرايفلي" خلال المناورات المشتركة، في موانئ العاصمة عاصمة البلاد "بورت أوف سبين".

وتمّ رصد وصول عناصر من الوحدة الاستكشافية الـ 22 لمشاة البحرية الأمريكية لإجراء تدريبات مشتركة مع قوات الدفاع في ترينيداد وتوباغو، مرافقين بعناصر ربط لوجستي لتيسير عمليات التزود بالوقود ونقل المعدات وتشغيل أنظمة الرادار. 

أخبار ذات علاقة

رادار عسكري أمريكي في ترينيداد وتوباغو

كشفها "الرادار".. ترينيداد وتوباغو في قلب جدل عسكرة الكاريبي (فيديو)

وتؤكّد المصادر الأمنية الميدانية أنّ هذا الانتشار العسكري هو جزء من وجود عسكري أمريكي أوسع في منطقة الكاريبي وشرق المحيط الهادئ، الذي يعرف حاليا وجود حوالي 15 ألف جندي أمريكي، برفقة مدمرات ومقاتلات وقوارب وغواصات قتالية متطورة، كلها بهدف مكافحة المخدرات وتسليط الضغط السياسي والعسكري على فنزويلا.

أسباب الانحياز لواشنطن 

تشير المصادر السياسية في ترينيداد وتابوغو إلى أنّ السياسة الرسمية للدولة التي اختارت الانحياز لواشنطن بُنيت على مجموعة من المعطيات الموضوعية، أوّلها الاستراتيجية الأمنية الأمريكية المنشورة مؤخرا والتي اعتبرت منطقة أمريكا اللاتينية برمتها والكاريبي على وجه الخصوص، عمقا استراتيجيا وأمنا قوميا ومجالَ توسّع.

ويعني ذلك أن الأولوية الأمريكية تكمن في "تنظيف القارة اللاتينية" من "لوثة اليسار"، وفق الوصف الأمريكي، والحيلولة دون أي توغّل روسيّ سياسيّ وتغوّل صيني اقتصادي، فضلا عن الوجود الإيراني وأذرعه العسكرية.

وتؤكد التقديرات الواردة من ترينيداد وتوباغو أنّ الحملة العسكرية الأمريكية ليست مجرّد ردّة فعل على خطر المخدرات، على أهمية هذا المعطى كثيرا بالنسبة لواشنطن، وليست أيضا مجرّد تصفية حسابات سياسية قديمة مع كاراكاس. 

أخبار ذات علاقة

قوات الحرس الوطني البوليفاري الفنزويلي في بحيرة ماراكايبو

في ظل صدام واشنطن وكراكاس.. ترينيداد وتوباغو تعلن حالة "التأهب القصوى"

وتوضح أن هذه الحملة جزء من استراتيجية أمريكية شاملة لضرب اليسار، ستنطلق من كاراكاس ثمّ هافانا ثمّ نيكاراغوا، وصولا لكافة معاقل اليسار اللاتيني، وهو ما عبر عنه صراحة وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو في أكثر من مناسبة.

وتضيف أنّ الانحياز لواشنطن يعود أيضا لأسباب اقتصادية، فالميزان التجاري بين البلدين يصبّ في صالحها، وأمريكا تُعتبر شريكا اقتصاديا مهما جدّا.

وتشير الأرقام والإحصائيات إلى أنّ القيمة السنوية لصادرات ترينيداد وتوباغو إلى الولايات المتحدة الأمريكية ناهزت 3.5 مليار دولار، من بترول خام، وحديد، وأمونيا، في حين أنّ قيمة واردتها منها تبلغ سنويا ملياري دولار، وهي متمثلة أساسا في المشتقات النفطية المكررة، والآلات، والسلع المصنعة.

وهذه أرقام مرشحة للزيادة خلال الفترات القادمة، مع تركيز واشنطن على منطقة أمريكا اللاتينية وتجذير تعاونها الاقتصادي مع العواصم المتحالفة معها، وسعيها إلى بناء جدار اقتصادي لاتيني عازل ضدّ طريق الحرير الصيني الجديد.

ضعف النظام الفنزويلي 

أمّا الاعتبار الثالث، فهو النظام الفنزويلي القائم حاليا، حيث تنطلق ترينيداد وتوباغو من قناعة أنّ النظام في حالة اهتراء وترهّل سياسي واقتصادي غير مسبوقين، وترى أن فنزويلا تعاني من فساد إداري وغياب حوكمة ومن انقطاع بين القيادة والشعب اضطر شرائح واسعة منه إلى الهجرة البرية والبحرية نحو دول أمريكا الشمالية. 

أخبار ذات علاقة

نائبة الرئيس الفنزويلي، ديلسي رودريغيز

بعد استضافة مدمرة أمريكية.. فنزويلا تعلق اتفاقيات الطاقة مع ترينيداد

وسواء بقي النظام أو سقط، فلا خوف من ردّة فعله العسكرية والأمنية، وفق وجهة نظر ترينيداد وتوباغو، حتّى في حال مغادرة القوات الأمريكية منطقة الكاريبي، وهي فرضية ضعيفة مع استمرار تدفق قوارب المخدرات من السواحل الفنزويلية.

وتستنتج المصادر السياسيّة أنّه ما بين الخسائر والأرباح، اختارت حكومة بيسيسار الجبهة الأمريكية، خاصّة أنّ علاقاتها الاقتصاديّة مع كاراكاس لم تكن على يُرام خلال الفترة الأخيرة، مع الجودة المتدنية للنفط الفنزويلي، وتكلفة تنظيفه وتثمينه الباهظة، ووجود بدائل عنه، الأمر الذي جعل العلاقة مقتصرة فقط على توريد الغاز الطبيعي.

وتشير الإحصائيات إلى أنّ قيمة الصادرات الفنزويلية لترينيداد وتوباغو بلغت في 2013، نحو 61.60 مليون دولار، غير أنّها عرفت تراجعا حادا بعد انهيار الاقتصاد الفنزويلي وتطبيق العقوبات القاسية.

وعُلقت اتفاقية الاستغلال المشترك لحقول الغاز العابرة للحدود البحرية، وعلى رأسها حقل "دراغون"، على خلفية ما اعتبرته كاراكاس انضماما من ترينيداد وتوباغو للأجندة العسكرية الأمريكية ضدّها.

وتنص الاتفاقية على الحصول على إعفاءات أمريكية لتمكين ترينيداد وتوباغو من تطوير الحقل ونقل الغاز إلى منشآتها للإسالة، الأمر الذي يضمن عمل مصانعها.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC