أثارت زيارة المدير العام لجهاز الأمن الخارجي الفرنسي (DGSE)، برنار إميه، إلى ساحل العاج نهاية يناير 2025 جدلًا واسعًا في الأوساط الدبلوماسية والعسكرية.
وجرت هذه الزيارة وسط تكتم شديد، ما يعكس الأهمية الاستراتيجية المتزايدة لأبيدجان بالنسبة لباريس، خاصة في ظل التحولات الأمنية الإقليمية المتسارعة.
وفي هذا السياق، قال الخبير في العلاقات الدولية والسياسات الإفريقية، جون-باتيست ميشيل، في تصريح لـ"إرم نيوز"، إن "الزيارة كانت سرية وركزت على ملفات أمنية واستراتيجية بين البلدين، في ظل التوترات المتصاعدة بمنطقة غرب أفريقيا".
وأضاف أن باريس تسعى للحفاظ على نفوذها الأمني في المنطقة، وسط تصاعد التحديات المرتبطة بالتنظيمات المسلحة والتغيرات السياسية في الساحل الإفريقي.
وأشار إلى أن زيارة إميه جاءت، وفقًا للتقارير المتاحة، في إطار تعزيز التعاون الأمني بين فرنسا وساحل العاج، لمواجهة التهديدات المتزايدة التي تمثلها الجماعات الإرهابية في المنطقة، والتي تهدد استقرار غرب إفريقيا.
ورغم عدم صدور أي تفاصيل رسمية عن الزيارة، فإن المحادثات تركزت على تبادل المعلومات الاستخباراتية حول الإرهاب، وتعزيز التعاون بين القوات المسلحة الفرنسية والأجهزة الأمنية العاجية.
وأضاف أن ساحل العاج أصبحت نقطة محورية في الاستراتيجية الأمنية الفرنسية في غرب إفريقيا، لا سيما بعد إعادة تموضع القوات الفرنسية في المنطقة عقب انسحابها من مالي ودول أخرى. وأوضح أن هذا التطور جعل أبيدجان مركزًا رئيسا لمواجهة التهديدات الأمنية، سواء من خلال مكافحة الإرهاب أو التصدي للهجمات العابرة للحدود.
وأشار إلى أن الزيارة تؤكد أهمية ساحل العاج بالنسبة لفرنسا، في سياق الحضور العسكري والاستخباراتي الفرنسي في أفريقيا، كما تسلط الضوء على التعاون الأمني المستمر بين البلدين لمواجهة التحديات الإقليمية المتزايدة.
لم يصدر أي إعلان رسمي بشأن أجندة رئيس الاستخبارات الخارجية الفرنسية، ورغم ملاحظة بعض المراقبين وصوله إلى أبيدجان، التزمت الرئاسة الإيفوارية والسفارة الفرنسية الصمت، وامتنعتا عن الإدلاء بأي تصريحات حول الزيارة، مما يعكس حساسية القضايا التي تم بحثها.
ووفقًا لمصادر مطلعة، التقى برنار إميه عددًا من كبار المسؤولين في الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة العاجية. وتركزت المحادثات على تعزيز التعاون الأمني ومكافحة الإرهاب، في ظل تصاعد التهديدات الإرهابية في المنطقة، وفق ما أفادت مجلة "جون أفريك" الفرنسية.
تظل ساحل العاج شريكًا استراتيجيًا لفرنسا في غرب إفريقيا، خاصة بعد إعادة تموضع القوات الفرنسية في المنطقة إثر انسحابها القسري من مالي وبوركينا فاسو والنيجر.
ومع هذه التغيرات، أصبحت أبيدجان مركزًا رئيسًا للوجود العسكري الفرنسي، إذ لا تزال باريس تحتفظ بأكثر من 900 جندي في البلاد بموجب اتفاقيات التعاون الدفاعي.
في هذا الإطار، يؤدي جهاز الاستخبارات الخارجية الفرنسي دورًا محوريًا في جمع المعلومات وتقييم المخاطر التي تهدد أمن المنطقة.
وتثير التوسعات المتزايدة للجماعات المسلحة في منطقة الساحل، وسعيها لاختراق دول خليج غينيا، مخاوف متزايدة لدى السلطات الفرنسية، مما يعزز أهمية التعاون الأمني مع ساحل العاج.
شهدت العلاقات الفرنسية توترًا متزايدًا مع بعض حلفائها السابقين في منطقة الساحل، خاصة مع الأنظمة العسكرية في مالي وبوركينا فاسو، مما دفع باريس إلى توطيد علاقاتها مع شركاء أكثر استقرارًا مثل ساحل العاج. ومع ذلك، يسعى الرئيس الحسن واتارا إلى تحقيق توازن دقيق بين تعزيز التعاون مع فرنسا من جهة، وترسيخ سيادة بلاده من جهة أخرى.
في هذا السياق، جرت محادثات برنار إميه مع المسؤولين الإيفواريين بحذر شديد، إذ ركزت على سبل تعزيز التعاون الأمني دون أن تبدو أبيدجان وكأنها مجرد امتداد للمصالح الفرنسية، بل كشريك مستقل يحافظ على مصالحه الوطنية.
وإلى جانب القضايا الأمنية، يُرجَّح أن زيارة رئيس المخابرات الفرنسية حملت بُعدًا اقتصاديًا، في ظل سعي باريس لتعزيز نفوذها وسط منافسة متزايدة من قوى مثل الصين وتركيا، اللتين كثَّفتا حضورهما في غرب إفريقيا.
ولا تزال الاستثمارات الفرنسية في ساحل العاج، لا سيما في قطاعات البنية التحتية والطاقة والاتصالات، تمثل ركيزة أساسية لمصالح باريس في المنطقة. وتحرص فرنسا على حماية وجود شركاتها والاستعداد لأي تحولات سياسية أو اقتصادية قد تؤثر في نفوذها هناك.