أخفقت المفوضية الأوروبية في إعادة ترميم العلاقات مع النيجر، رغم إرسالها مبعوثًا "إنسانيًا" للقاء المجلس العسكري الحاكم في نيامي، حيث واصلت السلطات النيجرية موقفها المتصلب تجاه بروكسل، ولم يتبقَّ من التعاون الثنائي سوى معدن اليورانيوم كركيزة وحيدة للعلاقة بين الجانبين.
ورفض رئيس المجلس العسكري في النيجر، عبد الرحمن تياني، استقبال ممثل المساعدات الإنسانية والحماية المدنية التابع للمفوضية الأوروبية لغرب ووسط أفريقيا خلال زيارته لنيامي بين 27 و30 يناير (كانون الثاني)، ما أدى إلى إفشال المساعي الدبلوماسية لتخفيف التوتر.
وجاء ذلك في أعقاب استدعاء الاتحاد الأوروبي سفيره من النيجر في نوفمبر الماضي بسبب الخلافات حول القضايا الإنسانية. وفي 26 يناير الماضي أمرت الحكومة الانتقالية بعض موظفي بعثة الاتحاد الأوروبي بمغادرة البلاد، مما زاد تعقيد العلاقات بين الجانبين.
وبدأت الأزمة عندما اتهمت السلطات في النيجر الاتحاد الأوروبي بإعادة توزيع المساعدات الموجهة لضحايا الفيضانات التي اجتاحت البلاد "بشكل أحادي" ودون أي تنسيق مع الحكومة، مما زاد حدة التوتر بين الجانبين.
واستمرارًا لإجراءاتها الحازمة ضد المنظمات الدولية، طلب المجلس العسكري الحاكم في النيجر من اللجنة الدولية للصليب الأحمر مغادرة البلاد فورًا. وأكدت وكالة الأنباء النيجرية "آير إنفو" أن الحكومة أمرت في مذكرة شفوية بإغلاق المكاتب، وطلبت من الموظفين المغتربين المغادرة على الفور، دون أن تكشف حتى الآن عن سبب هذا القرار.
لكن، في نهاية شهر يناير أعلن وزير الداخلية النيجري، الجنرال محمد تومبا، عن اتخاذ "تدابير مهمة لضمان المراقبة والإشراف على المنظمات غير الحكومية ومنظمات التنمية".
وأضاف تومبا: "كشفت تحقيقاتنا أن العديد من المنظمات غير الحكومية متورطة مع شركاء يشنون حربًا ضدنا من خلال مهام تخريبية، إذ يقدمون دعمًا في كثير من الأحيان للإرهابيين".
ورفضت السلطات النيجرية منح الاتحاد الأوروبي 1.3 مليون يورو من المساعدات الإنسانية للمنظمات الأجنبية العاملة في البلاد دون إخطارها مسبقًا.
جاء ذلك رغم تأثر نحو 1.5 مليون شخص جراء الفيضانات الأخيرة، التي أسفرت رسميًا عن مقتل 339 شخصًا، وهو رقم استثنائي.
وعقب ذلك، تم سحب السفير الأوروبي في النيجر، سلفادور بينتو دا فرانسا، لإجراء "مشاورات" في بروكسل.
وسعت سياسات الاتحاد الأوروبي تجاه منطقة الساحل لا سيما النيجر البوابة الرئيسة لتدفق الأفارقة إلى سواحل ليبيا والجزائر، إلى تحقيق عدة مصالح مختلفة تحظى بالأولوية على رأسها حل قضية الهجرة، ودعم الجهود العسكرية الفرنسية على مدى العقد الماضي، وإدخال بعد أوروبي لقطاع الأمن والتنمية في المنطقة.
لكن النجاح الأوروبي في هذه البرامج تأثر بالموقف الفرنسي الأحادي الجانب في منطقة الساحل الأفريقي، والذي تسبب في إحباط كبير بين الشركاء الأوروبيين.
وأسفر ذلك، عن إيقاف الدعم الأمني ما ترك الباب مفتوحا أمام جهات فاعلة أخرى مثل روسيا والصين لملء الفراغ وتقديم الدعم للحكومات بعد الانقلابات العسكرية في النيجر ومالي وبوركينافاسو.
ويظل معدن "اليورانيوم" المادة الوحيدة التي لم تتأثر بالعلاقات مع بروكسل، فقد أعلنت شركة "غلوبال أتوميك" عن توقيع اتفاقية لبيع مركز "اليورانيوم" من منجم داسا التابع لها في النيجر.
وبفضل هذا العقد، ستواصل الدولة الواقعة في غرب أفريقيا تسليم اليورانيوم إلى أوروبا، على الرغم من الانتكاسات الأخيرة للشركة الفرنسية "أورانو". وكانت الشركة واحدة من الموردين الرئيسين الثلاثة لمحطات الطاقة النووية في فرنسا، لكنها فقدت السيطرة على مناجمها في النيجر.