logo
العالم

300 يوم من العمليات في 2025.. أطول تعبئة عسكرية لإسرائيل منذ 1973

جنود إسرائيليون في قطاع غزة المصدر: رويترز

على مدار 300 يوم، خاضت إسرائيل في 2025 أطول تعبئة عسكرية منذ حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، لكن مع تعقيدات إضافية، وفقًا لتحليلات وسائل إعلام عبرية.

ويرى متخصصون في الشأن الإسرائيلي، أن العمليات العسكرية التي نفذتها تل أبيب في قطاع غزة باغتت قيادات الجيش في "مساحات ضيقة"، وأظهرت مدى انكشاف ظهر المؤسسة العسكرية وافتقارها إلى قوات الاحتياط، التي كانت ولا تزال عمودًا فقريًا ورقمًا حاضرًا بقوة في معادلة الاصطفاف أمام "جهات معادية".

وبحسب مصادر معلوماتية موثقة، واجه الجيش الإسرائيلي في عام 2025 ما وصفه جنرالات ومحللون عسكريون بـ"أسوأ أزمة موارد بشرية في تاريخه".

وتلخصت الأزمة في 3 محاور رئيسة، جاء في طليعتها حملة استقالات غير مسبوقة في صفوف قادة القوات النظامية ونقص الضباط، إلى جانب استنزاف الاحتياط.

أخبار ذات علاقة

دبابات وجنود الجيش الإسرائيلي

بين الانتظار والمواجهة.. ما خيارات الجيش الإسرائيلي للتعامل مع تطورات غزة؟

نقص الضباط

ووصفت صحيفة "هآرتس" أزمة 2025 بـ"هجرة جماعية" لضباط من ذوي الرتب المتوسطة (نقيب ورائد)، حيث أشارت تقارير إلى نقص حاد في الضباط، وعجز بنحو 1300 ضابط برتبة ملازم ونقيب، و300 ضابط برتبة رائد.

وواجه قادة الجيش الإسرائيلي في العام ذاته تراجعًا في رغبة الضباط في البقاء بالخدمة العسكرية، وأظهرت استطلاعات رأي موثقة أن "63% فقط من الضباط لديهم رغبة في الاستمرار بالخدمة النظامية، مقارنة بـ83% عام 2018".

وقدم أكثر من 500 ضابط وضابط صف في وحدات الجيش الإسرائيلي النظامية طلبات تقاعد مبكر خلال فترات متقاربة من عام 2025؛ وعزت تقديرات تل أبيب هذه الظاهرة إلى ما وصفته بـ"الاحتراق الوظيفي"، وتدني الأجور، والضغط النفسي الناتج عن الحرب المستمرة.

استنزاف الاحتياط

وربما تفاقمت أزمة الموارد البشرية داخل الجيش الإسرائيلي مع تنامي مؤشرات "استنزاف قوات الاحتياط" ووصول أعبائها إلى مستويات غير مسبوقة، ما أدى إلى زيادة أيام خدمة الاحتياط بمعدل 136 يومًا على مدار العام، فيما وصل عدد أيام خدمة احتياط القادة إلى 168 يومًا، وهو ما تجاوز بكثير المعدلات الطبيعية قبل الحرب، إذ كانت تقتصر على 25 يومًا كل 3 سنوات.

وانحرفت الأزمة نحو أبعاد أعمق بعد تراجع نسبة الامتثال لأوامر القادة داخل الجيش، وانخفاض نسبة الالتحاق في بعض وحدات الاحتياط إلى أقل من 60%، نتيجة الإرهاق الشديد وتأثر حياة الجنود العسكرية والنفسية، وكذلك الأسرية؛ وهو ما دفع الجيش في عام 2025 إلى إعلان حاجته العاجلة إلى نحو 10 آلاف جندي إضافي لسد الثغرات العملياتية.

 

وبلغت الأزمة ذروتها مع فشل حكومة تل أبيب، ومعها الجيش، في تجنيد المتشددين دينيًا "الحريديم"، رغم المحاولات التشريعية، إذ لم يستجب سوى عدد ضئيل جدًا من طلاب المدارس الدينية، لم يتجاوز 177 مجندًا فقط.

وفي محاولة بائسة لحل الأزمة، قرر الجيش الإسرائيلي دراسة إعادة تمديد الخدمة الإلزامية للرجال لتصل إلى 3 سنوات مجددًا، إلى جانب مقترحات أخرى باستدعاء عشرات الآلاف من الجنود المقاتلين الذين تم تسريحهم من الخدمة الإلزامية.

ولم تمنع الدراسات والمقترحات تحذير قادة عسكريين، مثل الجنرال احتياط "إسحاق بريك"، الذي قال في لقاء مع صحيفة "معاريف" إن "هذا النقص بدأ يؤثر فعليًا على منظومة الأداء القتالي والكفاءة التشغيلية للجيش، ويقود حتمًا إلى شلل كامل في القدرات العسكرية إذا استمر تآكل الكادر البشري النوعي على ما هو عليه".

 

أخبار ذات علاقة

 دبابات الجيش الإسرائيلي عند قطاع غزة

"الخط الأصفر".. "تحول جذري" في معارك الجيش الإسرائيلي ضد حماس

تفعيل المرسومين

وكان لهذه التداعيات أثر بالغ على بحث تل أبيب عن إجراءات استثنائية يمكن من خلالها تعويض نقص التعبئة العسكرية، ما اضطر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى تجاوز مصادقة الحكومة على العمل بالمرسومين 8 و9، لاستدعاء أكبر قدر ممكن من قوات الاحتياط داخل إسرائيل وخارجها.

والمرسومان رقم 8 و9 يتيحان استدعاء قوات الاحتياط بسرعة ولفترات أطول من المعتاد، بما في ذلك الجنود المنفردون خارج إسرائيل، دون الحاجة إلى المرور بالإجراءات التشريعية أو موافقة الكنيست كاملة.

وخلافًا للقواعد العامة، منح بنيامين نتنياهو نفسه، مع بداية حرب الـ300 يوم، حق تفعيل المرسومين الاثنين حتى دون العودة إلى وزير الدفاع أو الحصول على مصادقة لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست.

وفي يوم السبت، الذي يُحظر فيه الطيران وفقًا للشريعة اليهودية، أمر نتنياهو بتسيير رحلات طارئة عبر شركة "إيل عال" الإسرائيلية إلى الولايات المتحدة وأوروبا لجلب قوات الاحتياط المستدعاة للتعبئة العسكرية، وهم من حملة الجنسية المزدوجة، الإسرائيلية وغيرها.

ولا تلجأ إسرائيل إلى المرسومين 8 و9 إلا في حالات استثنائية جدًا، وتشير السوابق إلى أنها لم تستخدمهما إلا في ظروف طارئة، منها التوتر الأمني الذي ساد حدودها مع مصر عام 2011، إضافة إلى الاعتماد عليهما في التعامل مع وباء كوفيد-19.

وفي 5 أغسطس/آب 2022، استعانت إسرائيل أيضًا بالمرسومين فيما عُرف بعملية "الفجر الصادق"، التي شنها الجيش الإسرائيلي على حركة "الجهاد الإسلامي" الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية.

ومنذ بداية الـ300 يوم من العمليات المتواصلة، وتحديدًا في عام 2025، واجه الجيش الإسرائيلي صعوبة، وربما استحالة، في التعبئة العسكرية، خاصة عند محاولات إقناع القوات المعروفة بـ"الجنود المنفردين" في الخارج بالعودة السريعة إلى صفوف الجيش الإسرائيلي.

 

أخبار ذات علاقة

جنود إسرائيليون في قطاع غزة

"المكتسبات تتبدد".. الجيش الإسرائيلي يدعو لاستئناف الحرب في غزة

أعباء

وعلى عكس التقديرات الإسرائيلية، لم تتجاوب سوى نسبة ضئيلة من قوات الاحتياط خارج إسرائيل مع دعوات الالتحاق بالجيش، حتى مع الضغوط التي مارستها منظمات يهودية مثل "نيفش بنيفش" و"الوكالة اليهودية"، اللتين تتلقيان ميزانيات هائلة من وزارة الاستيعاب والهجرة الإسرائيلية، ما اضطر قيادة الجيش إلى تحمُّل أعباء مالية غير مسبوقة لاستقدام جنود الاحتياط.

شملت هذه الأعباء، على سبيل المثال، منح "الجندي المنفرد" راتبًا شهريًا يعادل ضعف راتب الجندي العادي، إضافة إلى ما يُعرف بـ"هبة إيجار" للجنود الذين يرفضون الإقامة في مساكن الجيش، و"بدل فرش" لدعمهم في تجهيز السكن، فضلًا عن التزام الجيش بتوفير إقامة كاملة تشمل الوجبات الغذائية والمرافق وغسل الملابس، وتوفير تذاكر طيران مجانية للجندي المنفرد لتمكينه من زيارة عائلته خارج إسرائيل، إلى جانب منحه بطاقات ائتمانية شهرية مفتوحة لشراء احتياجاته من المراكز التجارية الخاصة أو الحكومية.

ويرى قادة في الجيش الإسرائيلي أنه لولا استدعاء قوات الاحتياط من داخل إسرائيل وخارجها لما كان ممكنًا سد ثغرات التعبئة العامة خلال 300 يوم من العمليات العسكرية.

واستشهد هؤلاء بقائد الجيش الأمريكي الأسبق، الجنرال ناثان بيدفورد فورست، إبان الحرب الأهلية الأمريكية، حين رد على سؤال حول أسباب انتصاره في المعارك بقوله: "الوصول إلى ساحة المعارك مبكرًا من خلال قوات الاحتياط، وقبلها القدرة على التعبئة العسكرية".

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC