في ظلّ أجواء اجتماعية مشحونة واستعدادات لحركة احتجاجية واسعة تحت شعار "لنشل كل شيء" 10 سبتمبر، وجه وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو مذكرة عاجلة وصفت بالصادمة إلى جميع المحافظين، طالبهم فيها بالاستعداد الكامل لمواجهة أي محاولة لشل البلاد عبر إغلاق المرافق الحيوية.
ويرى الأستاذ جاك دي مايارد، أستاذ العلوم السياسية في جامعة فرساي، أن سياسة حفظ النظام العام في فرنسا اعتمدت خلال السنوات الأخيرة على "نموذج أكثر صرامة، يتألف من أدوات عقابية وإنفاذ أكثر تشددًا"، بدلًا من اتباع نهج تفاوضي أو اعتماد استراتيجيات تهدئة سلمية.
وربط الباحث السياسي الفرنسي بين تصاعد استخدام القوة في الاحتجاجات الأخيرة، بما في ذلك حركة "السترات الصفراء"، بنموذج أمني متصلب، يركز على منع الاحتجاجات بدل إدارة مسالمة لها.
وأشار مايارد في تصريح لـ"إرم نيوز" إلى تقاطع مع مضمون المذكرة الرسمية التي تشدد على التدخل الاستباقي لمنع شلل المرافق الحيوية، وعلى تعبئة واسعة للشرطة والدرك في مواقع استراتيجية.
بدوره، وصف البروفيسور سيباستيان روش، الباحث في معهد الدراسات السياسية، نهج الشرطة الفرنسية بأنه "عدائي، وفوضوي، وفي بعض الأحيان عنيف للغاية"، مقارنة بممارسات أجهزة حفظ النظام في دول أوروبية أخرى مثل ألمانيا وبريطانيا.
واعتبر روش في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن هذا التشدد الأمني واللجوء المكثف إلى القوة يأتي في إطار أزمة ثقة بين الدولة والمجتمع، حيث تتجه السلطة إلى التحكم الأمني بسبب ضعف الشرعية الشعبية.
كما رأى أن هذه التحركات الأمنية السبّاقة تعكس أزمة شرعية في النظام السياسي، حيث تتعاظم أدوات القمع كلما تضاءلت الثقة الشعبية.
وكانت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، قد كشفت المذكرة التي تحمل نبرة صارمة، تؤكد أن الدولة الفرنسية عازمة على منع تكرار مشاهد الفوضى التي شهدتها البلاد في زمن احتجاجات "السترات الصفراء".
وأوضح ريتايو في مذكرته أن أي محاولة لإغلاق البنية التحتية الأساسية يجب أن يتم إفشالها فورًا، مؤكدًا أن التدخل الأمني سيكون استباقيًا وسريعًا لإعادة فتح المرافق خلال أقصر فترة زمنية ممكنة.
المرافق المستهدفة بالإجراءات الأمنية تشمل: محطات القطارات والموانئ والمطارات، وشبكات النقل العام والمحاور الطرقية الرئيسة، ومستودعات الوقود والمنصات اللوجستية، ومحطات الكهرباء والمصانع المخصصة لحرق النفايات، ومراكز معالجة المياه والأسواق الكبرى مثل سوق رانجيس للأغذية، حتى المؤسسات التعليمية لم تسلم من المذكرة، إذ شدّد الوزير على ضرورة منع أي محاولات لإغلاق المدارس الثانوية أو الجامعات.
إلى جانب منع إغلاق المرافق الحيوية، أكد وزير الداخلية الفرنسي، أن الدولة لن تتهاون مع أعمال التخريب، خاصة إذا استهدفت المباني العامة أو الرموز الوطنية، وأمر بتوقيف المتورطين بشكل منهجي وتقديمهم للسلطة القضائية.
كما طلب من المحافظين وضع خطط لتأمين المؤسسات الجمهورية مثل البرلمان ومقرات السلطة التنفيذية والقضائية، مع إيلاء اهتمام خاص للمنشآت التي قد تُعد "رموزًا للرأسمالية"، مثل الرادارات الطرقية أو بعض المراكز التجارية والصناعية، في ظل مخاوف من أن يحاول ناشطو اليسار المتطرف استغلال الحركة لدفعها نحو العنف.
وشددت المذكرة على ضرورة التعبئة الكاملة للشرطة والدرك، بما في ذلك استدعاء العناصر الاحتياطية إذا لزم الأمر، والهدف هو ضمان تغطية شاملة للفضاء العام عبر نقاط مراقبة أمنية، والسيطرة على المواقع الاستراتيجية التي حددتها أجهزة الاستخبارات، والتدخل السريع والمباشر في حال وقوع هجمات أو إغلاقات مفاجئة.
كما طُلب من المحافظين التنسيق المباشر مع السلطات القضائية ومع الإدارات التعليمية لضمان السيطرة على الأوضاع طوال يوم التعبئة.
واختتم ريتايو مذكرته بالتأكيد أن التهديدات متفرقة وغير متوقعة، ما يجعل التحرك السريع والمرن للقوات الأمنية "ضرورة مطلقة".
وأكد أن يوم 10 سبتمبر، قد يتحول إلى لعبة "القط والفأر" بين قوات الأمن والمنظمات الاحتجاجية، حيث يسعى الناشطون إلى تنفيذ عمليات مباغتة فيما تراهن الدولة على التفوق عبر السرعة والسيطرة الميدانية.