اعتبر خبراء اجتماعيون وسياسيون أن فرنسا تواجه أزمة اجتماعية جديدة قد تعيد إلى الأذهان مشاهد 2018 عندما اهتزت البلاد على وقع احتجاجات "السترات الصفراء".
ومع تصاعد الغضب الشعبي الناتج عن الأوضاع الاقتصادية وتنامي الشعور بانعدام العدالة الاجتماعية، انتشرت على شبكات التواصل الاجتماعي دعوات تحت شعار: "فلنشل فرنسا في 10 سبتمبر"، ما أثار تساؤلات جدية حول إمكانية عودة هذا الحراك الشعبي الذي دوّى صداه في العالم قبل ست سنوات.
وأكد الخبراء أن ما يحدث اليوم يختلف جذريًا عن انطلاقة الحركة الأولى، فبينما انبثقت احتجاجات 2018 من معاناة معيشية مباشرة وخرجت إلى الشوارع بقوة دفع شعبية واسعة، تبدو نسخة 2025 أكثر رقمية وأقل تجذرًا اجتماعيًا، الأمر الذي يجعلها قابلة للاختراق السياسي والإعلامي، وفي الوقت نفسه يصعب التنبؤ بمآلاتها.
ومن جانبه، قال ميشال فيز، عالم اجتماع الفرنسي وخبير في الحركات الاجتماعية بجامعة باريس، إن الدعوة إلى "حركة 10 سبتمبر" تعكس "أجواء غضب شعبي متجدّد، لكنها محركة عبر الإنترنت وليس عبر الأرض".
وأضاف فيز، لـ"إرم نيوز" أن الحركة الحالية تفتقد إلى الأساليب الميدانية القائمة على التجمعات المجتمعية والتنظيم الشعبي المباشر كما كان الحال في احتجاجات السترات الصفراء عام 2018.
وأوضح أن الفرق بين الحركتين بصرف النظر عن المطالب أن الحركة الجديدة أكثر رقمية واعتماداً على المنصات والتقنيات الحديثة وأقل شعارات اجتماعية، ورمز سياسي أو اجتماعي يجمع الفرنسيين ليصطفوا حوله.
وبدأت الحركة الحديثة كما بدأت سابقتها عبر فيسبوك، و"إكس" (تويتر سابقًا)، وتيليغرام.
وأشار فيز إلى أن الاختلاف الرئيس بين الحركتين في افتقاد نسخة 2025 إلى التربة الاجتماعية والمناضلين الميدانيين الذين صنعوا واقع السترات الصفراء عام 2018.
ومن جهته، رأى توماس جينوليه، الباحث السياسي الفرنسي المتخصص في الحركات المتطرفة في فرنسا، أن اختفاء الجذور المجتمعية الحقيقية للحركة الجديدة يجعلها عرضة للتلاعب السياسي والإعلامي،
وقال جينوليه لـ"إرم نيوز: "ما نراه اليوم هو أشبه بمتاهة رقمية بلا قيادة واضحة أو مطالب محددة".
بدوره عبّر جان-فرانسوا بارنابا أحد نشطاء "السترات الصفراء" عن مخاوفه من أن يؤدي دعم الأحزاب النقابية واليسارية إلى تقليل حماس السترات الصفراء الأصليين.
ونقل موقع "بلانت" الفرنسي عنه قوله إن الحركة قد تفقد استقلالها "ونتجه نحو مواجهة أقل فعالية بسبب تسييسها".
بينما يرى جيروم رودريغز، الناشط الذي فقد أحد عينيه بسبب الرصاص الحي حينها، أن الحركة "لم تنجح في تحقيق أهدافها كاملة"، وقد تحدث عن تقديم عروض جديدة لـ"احتلال الدوّارات" بدل التظاهرات الكبرى.
وأعادت بعض الأصوات التحريضية، مثل مايك رامبو، بث خطابات عنيفة ضد الأحزاب، منتقدًا وجود "يسار ويمين" ودعا إلى رفض هذه الانقسامات، في فيديو ينتقد فيه "تسييس الحركة"، وهو ما يرفع من سقف القلق حول طابع الدعوة إلى 10 سبتمبر.
كذلك، دعا فلاي ريدر إلى إجراء استفتاء ومراجعة الدستور، فيما دعا جون بارلو إلى مقاطعة البطاقات البنكية بهدف "شلّ النظام المالي".
رغم التحذيرات، تستمر الدعوات إلى "الجمعيات العامة" التي تنظم اجتماعات محلية، ويتم نشر تفاصيلها عبر تيليجرام.
ويتشارك رودريغز هذا الانطباع المحتفظ بالروح الثورية السابقة فقال: "السترة صفراء يومًا، وسترة صفراء دائمًا"، في تأكيد أن القاعدة الشعبية ما زالت صامدة حتى إن تغيّرت الأسماء.
وبين الإضرابات والتوتر المجتمعي، يحتمل أن تحصل اضطرابات ملموسة بين التوجهات الشعبية وانقسام الحركة.
ومع دخول النقابات واليسار، يواجه أنصار السترات الأصليون لحظة اختبار حقيقية قد تغيّر طبيعة احتجاجاتهم، بين العودة إلى الشارع أو العودة إلى الليل الفكري.