الجيش الإسرائيلي يدمر برج السوسي السكني وسط مدينة غزة بعد إنذار بقصفه
في خطوة تعزز موقعها الإستراتيجي في سباق السيطرة على موارد المستقبل، أعلنت الصين هذا الأسبوع عن اكتشاف معدن أرضي نادر جديد يُدعى "هوانغويت (Nd)" في منطقة منغوليا الداخلية الغنية بالموارد المعدنية.
ويُعد هذا الاكتشاف دفعة كبيرة للصين في سباق التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة، حيث تُستخدم العناصر الأرضية النادرة في تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية، والمغناطيسات الدائمة، وتوربينات الرياح، والمكونات المتقدمة للإلكترونيات.
بحسب وزارة الموارد الطبيعية الصينية، فإن المعدن الجديد يحتوي على النيوديميوم (Nd)، وهو عنصر أساس في صناعة المغناطيسات القوية التي تدخل في تقنيات مثل السيارات الكهربائية ومحركات الطائرات والمولدات. ويُعد النيوديميوم عنصرًا بالغ الأهمية في تطوير البنية التحتية للطاقة النظيفة.
تُنتج الصين حاليًا أكثر من 70% من إجمالي العناصر الأرضية النادرة في العالم، رغم امتلاكها نحو 36% فقط من الاحتياطي العالمي، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية. كما تتحكم في 99% من عمليات تكرير المعادن النادرة، و90% من الإنتاج العالمي، أي نحو 200 ألف طن من المغناطيسات الدائمة المصنوعة من سبائك معدنية وعناصر أرضية نادرة.
يبلغ الطلب العالمي على النيوديميوم والمغناطيسات الأرضية النادرة أكثر من 60,000 طن سنويًا، ومن المتوقع أن يتضاعف بحلول عام 2030 بفعل الانتقال العالمي إلى الطاقة الخضراء.
في العام 2024، قُدّرت القيمة السوقية للعناصر الأرضية النادرة عالميًا بحوالي 12.9 مليار دولار، ويتوقع أن تتجاوز 20 مليار دولار بحلول 2030، بحسب تقرير شركة " Fortune Business Insights".
يرى مراقبون أن الاكتشاف الجديد يُعزز قبضة الصين على سلاسل الإمداد العالمية للمعادن الإستراتيجية، ما قد يُعمّق اعتماد الغرب على بكين في هذا القطاع الحيوي. وتزداد المخاوف الغربية في ظل سعي دول مثل الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، إلى تنويع مصادرها من المعادن النادرة لتقليل هذا الاعتماد.
في هذا السياق، قال جيمس كينغستون، خبير الموارد الاستراتيجية في جامعة كولومبيا إن "أي اكتشاف جديد في الصين لعناصر نادرة يعني مزيدًا من الضغط على محاولات الغرب لبناء سلاسل إمداد بديلة."
من جانبه، أوضح حافظ بلال بشير، الخبير في الشؤون الأمنية والإستراتيجية، لـ"إرم نيوز" أن استخراج العناصر الأرضية النادرة يواجه تحديات بيئية واقتصادية معقدة، حيث تسبب في تدمير أراضٍ خصبة في منغوليا الداخلية، وجيانغشي في الصين، وخلّف ملوثات مشعة تهدد الصحة العامة، مشيرًا إلى تجارب مماثلة في كاليفورنيا وبلدان أفريقية.
الولايات المتحدة أعلنت، أخيراً، عن تخصيص 800 مليون دولار لتطوير مشاريع تعدين ومعالجة محلية للعناصر النادرة. بينما يعمل الاتحاد الأوروبي على إطلاق قانون "المواد الخام الحرجة" لتأمين 10% على الأقل من مواده النادرة من مصادر داخلية بحلول 2030. إضافة إلى أن الهند، واليابان، وكندا، تتحرك لتوقيع اتفاقيات تنقيب مشتركة لتقليل الاعتماد على الصين.
يرى محللون أن هذا الاكتشاف لن يغيّر موازين السوق فحسب، بل سيؤثر على التحالفات الصناعية والإستراتيجية العالمية. وفي ظل السباق المحموم على القيادة في تقنيات المستقبل، قد يُصبح المعادن النادرة "نفط القرن الحادي والعشرين".
وأكد بشير أن مشاريع المعادن النادرة تتطلب استثمارات ضخمة، وتواجه تقلبات حادة في الأسعار بسبب هيمنة الصين على أكثر من 90% من قدرات المعالجة. لكنه شدد على أن التوازن ممكن عبر تبني تقنيات التعدين الأخضر، وتشجيع إعادة التدوير، ووضع لوائح تنظيمية صارمة.
كما حذّر بشير من أن الاعتماد الكلي على الصين قد يعرّض الأسواق العالمية لاختناقات استراتيجية، داعيًا باكستان إلى استثمار علاقاتها مع بكين لتأمين نقل التكنولوجيا، وتوسيع البحث المشترك، وتنويع مصادر الإمداد من دول، مثل: ميانمار، وتنزانيا، والسويد.
وختم بشير بقوله: "علينا ألا نكون مجرد مستهلكين في الثورة الخضراء، بل شركاء فاعلين يحترمون البيئة ويحمون مجتمعاتهم من الأضرار الجانبية لهذا السباق التكنولوجي."
ويعكس اكتشاف "هوانغويت-(Nd)" الصيني مدى تعقيد المنافسة العالمية في مجال التكنولوجيا النظيفة. وبينما تتسابق الدول لبناء اقتصادات منخفضة الكربون، تبدو الصين في موقع الصدارة، مسلحة بمعادن الأرض النادرة وسلاسل إمداد متقدمة، وهو ما قد يمنحها أفضلية إستراتيجية لعقود مقبلة.