استبعد خبراء في الشؤون الصينية والدولية أن تتسبب "المعادن النادرة"، في اندلاع حروب مباشرة، رغم أنها شكّلت جولة من المواجهات بين أجهزة استخبارات في الفترة الأخيرة.
ولفتوا إلى أنه بدلا من ذلك، قد تتسبب هذه المعادن بشكل كبير في جولات من المواجهات والصدامات الاقتصادية والتجارية بين الدول، لا سيما الكبرى، وقد تؤدي إلى توتر في العلاقات الدولية.
وكانت وزارة أمن الدولة الصينية، أعلنت أخيرا أن أجهزة مخابرات أجنبية حاولت "سرقة" معادن نادرة من الصين، وتعهدت باتخاذ إجراءات صارمة ضد أنشطة التسلل والتجسس التي تستهدف هذا القطاع الحيوي.
وقالت الخبيرة الصينية في الشؤون الدولية، سعاد ياي شين هوا، إن "المعادن النادرة، خصوصًا المستخدمة في الصناعات العسكرية المتقدمة، برزت كعامل استراتيجي في حسابات الأمن القومي للدول الكبرى".
وأضافت شين هوا لـ"إرم نيوز"، أن "اتهام الصين لأجهزة استخبارات أجنبية بسرقتها، يسلط الضوء على المخاطر الأمنية المرتبطة بهذه الموارد الحيوية".
وأوضحت أن "القيمة الاستراتيجية للمعادن النادرة، وسلاسل الإمداد العالمية، تكمن في أن العناصر الثقيلة مثل الديسبروسيوم والتيربيوم تُعدّ مكونات لا غنى عنها في صناعة الأسلحة المتقدمة، كطائرات الشبح من طراز F-35، وأنظمة توجيه الصواريخ، ومفاعلات الغواصات النووية".
وأشارت شين هوا، إلى أن "الصين تسيطر على نحو 90% من إنتاج العناصر الثقيلة، و60% من إجمالي استخراج المعادن النادرة عالميًا، إضافة إلى 90% من قدرات التكرير العالمية".
وعلى الجانب الآخر، تعتمد الولايات المتحدة بنسبة 97% على واردات هذه المعادن من الصين، ما يجعلها في موضع ضعف واضح في حال حدوث أي اضطراب في سلسلة التوريد.
وذكرت أن "فرض الصين قيودًا على صادرات المعادن النادرة أدى إلى تأخير إنتاج F-35 في الولايات المتحدة وتعطيل مشاريع الجيل السادس من الطائرات، ما كشف هشاشة البنية التحتية لصناعات الدفاع الأمريكية".
وهكذا أصبحت هذه الموارد بمثابة "ورقة ضغط استراتيجية" في الحرب التكنولوجية بين بكين وواشنطن.
وأوضحت شين هوا، أن المعادن النادرة تتمتع بخاصية "الاستخدام المزدوج" المدني والعسكري، ما يجعل إدارتها جزءًا لا يتجزأ من استراتيجية الأمن القومي الصيني.
وفي هذا السياق، أدرجت بكين هذه المعادن ضمن "لوائح إدارة الموارد الاستراتيجية"، وطورت نظامًا لتتبع سلسلة الإمداد باستخدام تقنيات البلوك تشين.
وبيّنت أن الصين لا تفرض حظرًا شاملاً على التصدير، بل تعتمد سياسة "الترخيص الانتقائي والرقابة"، إذ منحت شركات مثل BMW وVolkswagen تصاريح خاصة، كما حصلت شركات أمريكية مثل GM وFord على استثناءات مؤقتة عقب اتصالات رفيعة المستوى بين بكين وواشنطن.
ورأت شين هوا، أن "احتمالات اندلاع حرب شاملة بسبب المعادن النادرة تبقى منخفضة، إلا أنها قد تؤدي إلى توتر كبير في العلاقات بين الدول المعنية، خاصة إذا أدى تهريب هذه المعادن إلى تسرب تقنيات عسكرية حساسة، ما يزيد من خطر اندلاع صراعات إقليمية".
أما الباحث في العلاقات الدولية إبراهيم عبد الحميد، فأوضح أن "أكثر من 80% من المعادن النادرة المستخدمة في الولايات المتحدة عام 2024 تم استيرادها من الصين، بعد تأهيلها وإعادة تدويرها داخل الصين أو من خلال مشروعات تسيطر عليها في عدة دول غنية بالمعادن".
وأضاف عبد الحميد لـ"إرم نيوز"، أن "فرض الولايات المتحدة رسومًا جمركية في أبريل/نيسان الماضي أظهر أهمية المعادن النادرة كسلاح صيني، خاصة مع وقف تصديرها، ما خفّف من تصعيد الحرب التجارية بعد تراجع واشنطن عن بعض توجهاتها".
ويرى عبد الحميد، أنه "من غير المتوقع أن تؤدي المعادن النادرة إلى حروب مباشرة بين الدول، لكنها ستبقى ساحة لمواجهات اقتصادية وتجارية حادة".
وأوضح أن "تصاعد أهمية هذه المعادن يكمن في اعتماد الصناعات التكنولوجية المتقدمة والعسكرية عليها، مع ازدياد الطلب العالمي عليها بنسبة تقارب 15% سنويًا".
ولفت عبد الحميد، إلى أن "المعادن النادرة أصبحت عمادًا أساسيًا في قطاعات صناعية وتكنولوجية وعسكرية، مثل إنتاج الإلكترونيات والرقائق وصناعة السيارات الكهربائية والصناعات الدفاعية وأجهزة الاستشعار، والصناعات الفضائية والأقمار الصناعية وتطوير مصادر الطاقة وتحسين كفاءة الألواح الشمسية وصناعات الطائرات والأدوات الطبية الحديثة".