logo
العالم

دون إشعال حربٍ أهلية.. هل يستطيع الجيش اللبناني كسر "قدسية" سلاح حزب الله؟

حسن نصر الله الأمين العام السابق لحزب اللهالمصدر: فورين بوليسي

روّجت الحكومة اللبنانية الجديدة، التي تشكلت بعد وقف القتال بين إسرائيل و"حزب الله"، لخطة طموحة مدعومة أمريكيًّا لنزع سلاح كل الجماعات المسلحة غير الحكومية.

لكن الصدام المتوقع مع حزب الله، الفاعل الأبرز والمسيطر عسكريًّا في أجزاء واسعة من البلاد، يضع الدولة أمام خيارين مريرين: مواجهة عسكرية داخلية باهظة الثمن، أو التسليم المستمر لوجود سلاح خارج سلطة الدولة، مع بقاء خطر حرب شاملة مع إسرائيل قائمًا.

أخبار ذات علاقة

أنصار حزب الله يحيون ذكرى اغتيال نصر الله ببيروت

مصدر لبناني: حزب الله يستنزف آخر أوراقه لإنقاذ ترسانته

رهان بيروت ومحاذير الحلفاء

وكشفت "فورين بوليسي"، أن الخطة المعلنة تعتمد على تعهد إسرائيل بوقف هجماتها وسحب قواتها من مواقع في الجنوب مقابل بدء إجراءات نزع السلاح، وهو ما تبناه مجلس الوزراء اللبناني كإطار متوافق مع اقتراح أمريكي، لكن دبلوماسيين أمريكيين ومخططين اعترفوا علنًا بأن حافز حزب الله للتخلي عن سلاحه "صفر"، ولا سيَّما وسط استمرار ضربات إسرائيل في مناطق نفوذه، وهي تركيبةٌ معقدة تجعل من التنازل أمراً مستبعداً وسياسياً.

ومنذ وقف النار في نوفمبر 2024، استمرت الضربات الإسرائيلية في الجنوب والبقاع، مسجلةً سقوط عشرات القتلى، ورغم ذلك، يُصرّ حزب الله على الاحتفاظ بوجود مسلح في الجنوب، بينما ينفي رسمياً تنفيذ هجمات، فيما تعتقد جهات أمنية أن مجموعته لا تزال مجهزة وثابتة في مواقع استراتيجية، هذه المعادلة تُحوّل أي جهود قسرية لنزع السلاح إلى مخاطرة كبيرة.

إنجازات جزئية ومخاطر أكبر

وعلى الضفة الأخرى، نجحت الحكومة في الحصول على تنازلات محدودة من فصائل فلسطينية معتدلة، التي سَلَّمت بعض أسلحتها مقابل وعود بتحسين حقوقها المدنية، لكن الأكثر تشدداً، مثل تحالف القوى الفلسطينية الذي يضم حركات ترفض التسوية، يرفض التعاون، ومع وجود مخيمات مكتظة كساحة فوضى قانونية تُغري حيازة السلاح، يبرز أن نزع سلاح جماعات ضعيفة ممكّن، بينما مواجهة جماعات مسلحة وقوية تظل أكثر تعقيداً وربَّما مستحيلة دون قتال.

أخبار ذات علاقة

من موقع الإسرائيلية

الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال عنصرين من حزب الله جنوب لبنان

شوارع مكتظة وسلاح منتشر

من جهة أخرى تتوزع الجماعات المختلفة في الشوارع المكتظة بين مؤيّدٍ لمفاوضات التسليم ومن يرفضها، وتؤكد حوادث العنف المتكررة غياب سلطة الدولة وضرورة وجود قوة أمنية قادرة على فرض النظام.

من جانبه شرع الجيش اللبناني بالفعل في عمليات مصادرة أسلحة واكتشاف مخابئ نفقية، خصوصاً بعد انهيار النظام السوري وما تبعه من تفريغ أنفاق أسفرت عن استحواذ الجيش على مخزونات سلاح، لكن المواجهة مع مخزون حزب الله لم تترجم إلى تسليم طوعي.

فقد أفضت محاولة اقتحام مستودع جنوبي إلى انفجار قتل 6 جنود، وهو مؤشر صارخ على الكلفة المحتملة لحملة واسعة النطاق، وبينما أشارت الحكومة لخطة زمنية محددة لإتمام نزع السلاح في الجنوب بنهاية العام، لكن من الواضح أن الخطة تفتقر إلى جدول زمني واضح لبقية البلاد.

الموقف الشيعي في الحكومة

ويرى الخبراء أن حزب الله لا يواجه الدولة ميدانياً فحسب، بل يتمتّع بنفوذ داخل مؤسساتها؛ فممثلوه قاطَعوا جلسة لمجلس الوزراء اعتراضاً على خطة نزع السلاح، ما يكشف قدرة الحزب على تعطيل المسار السياسي، وهذه "النفوذية" تعقد تنفيذ أي قرار وتحوّل الخطة من مجرد تنفيذ أمني إلى صراع سياسي داخلي بالغ الحساسية.

أخبار ذات علاقة

صورة نصرالله وصفي الدين على صخرة الروشة

لبنان يفتح تحقيقًا بشأن مخالفات "صخرة الروشة"

مخاطر تصاعد المواجهات 

ولذلك فإن الحديث عن عمليات مصادرة وربَّما عروض من الفصائل الضعيفة للتسليم، وتصاعد الخطاب واحتجاج مؤيدي حزب الله في شوارع الضاحية، ما هي إلَّا مشاهد متوازية ترجح أن المواجهة ستكون مطوّلة ومُنسقة.

يرى بعض المحللين أن الجيش سيعثر على مخازن للسلاح وينفذ عمليات مختارة لتفكيك الشبكات، بينما لا يتوقعون صداماً وطنياً كاملاً، غير أن آخرين يحذرون من أن أي خطوة خاطئة قد تشعل اشتباكاً شاملاً؛ لأن حزب الله يُنظر إليه لدى جزء كبير من المجتمع الشيعي كخط دفاع عن لبنان ضد إسرائيل.

ويتوقع مراقبون أن الجيش والدولة إذا نجحا في استهداف جماعات ضعيفة وتمكّنا من فرض وجودهما تدريجياً دون مواجهة حاسمة مع حزب الله، فقد تُحرز بيروت مكاسب سيادية تدريجية، أما إذا تحوّلت المحاولات إلى عمليات قسرية شاملة ضد بنية حزب الله، فإن الخطر الأكبر هو انزلاق البلاد إلى مواجهة داخلية قد تستدعي تدخلاتٍ إقليمية وتفتح الباب أمام حربٍ أوسع مع إسرائيل، بحسب خبراء بالصراع في المنطقة.

ما الذي يلزم لتجنب الانهيار؟

يبدو أن التوازن يتطلَّب 3 قواعد: ربط خطوات نزع السلاح بتعهدات واضحة لوقف العمليات الإسرائيلية، وتوفير قدرة لوجستية ومادية كبيرة للجيش للقيام بمهام واسعة دون انهيار، وإيجاد صفقة سياسية داخلية تقلّص ضغوط حزب الله وتمنحه مخرجاً يحفظ كرامة قواعده دون تفكيك كامل يجعله يشعر بتهديد وجودي، وغياب أحد هذه العناصر يزيد احتمالات حدوث مأساة مدنية.

وفي النهاية خطة نزع سلاح حزب الله والفصائل في لبنان ليست مجرد مشروع أمني تقليدي؛ إذ إنها امتحانٌ حاسم لقدرة الدولة على استعادة سيادتها دون إشعال حرب أهلية.

وبينما تبدو الخطوات المنفذة حتى الآن مأمولة (مصادرات سلاح من فصائل ضعيفة وتخطيط عسكري متدرّج)، فإن كسر "قدسية" سلاح حزب الله يبقى رهينا بقدرة الجيش على التنفيذ بدقة، ومقدرة السياسيين على تأمين هدنة ملموسة مع إسرائيل، وإيجاد تسوية داخلية تقلّل من حوافز التصعيد، غير أن غياب توافق داخلي وإقليمي حقيقي، قد يجعل الخطة محض آمالٍ تهدده مخاطر الانزلاق إلى صراع أوسع يصعب احتواؤه.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC