معركتان يخوضهما الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في توقيت واحد، عندما يتعلق الأمر بالعلاقة المتوترة مع إيران، أولاهما تلك التي ترتبط بإدارة حرب الإعلام في واشنطن حول حسابات الربح والخسارة من قراره بالتدخل العسكري المباشر ضد إيران.
أما المعركة الثانية فهي تلك التي تجذب الأنظار إليها على مدار الساعة هي الأخرى وترتبط بحرب التصريحات بين طهران وواشنطن حول وجود اتصالات أو عدم وجودها بين الجانبين.
كلتا المعركتين تشكلان أزمة يومية على أجندة إدارة الرئيس ترامب وكبار مسؤوليها بسبب عدم القدرة على إقناع قطاع واسع جدا من الإعلام الأمريكي بنجاح الضربة ضد إيران، إضافة إلى تضارب التقارير السرية حول حجم الضرر الذي ألحقه التدخل العسكري في الحد من مشروع إيران النووي.
يضاف إلى ذلك تشكيك أعضاء الكونغرس من الحزبين في حقيقة الإصابة المؤلمة التي لحقت بمنشآت إيران النووية بعد الهجوم الأمريكي عليها.
مقربون من إدارة ترامب كشفوا لـ"إرم نيوز" أن محيط الرئيس قلق جدا من الروايات المتضاربة المتعلقة بتقييم نجاح العملية العسكرية وأن كبار مسؤولي الإدارة يحاولون إيجاد الروايات الأفضل لتقديمها للرأي العام ولمواجهة موجات التقييم السلبية التي يظهرها المعارضون للعملية العسكرية لأنهم كانوا يتوقعون ردود فعل أفضل بكثير من تلك التي سمعوها في أعقاب العملية العسكرية.
يقول المقربون من ترامب إن الرئيس لديه قناعة أنه حقق الكثير بقرار ضربته العسكرية ضد ايران، لأنه أظهر للإيرانيين وجها عجز عنه الرؤساء السابقون، سواء كانوا من الديمقراطيين أم من الجمهوريين، عندما جنحوا دائما للخيار الدبلوماسي مع طهران دون الوصول إلى تحقيق نتائج جادة على مستويات إنهاء أو تجميد أو تعطيل المشروع النووي.
منذ خمسين عاما أو ما يقارب ذلك والسياسات الأمريكية، وفقا للرئيس ترامب، تترنح في خياراتها مع إيران. وأقصى ما كان يُفعل هو تشديد العقوبات وممارسة أقصى أنواع العزلة السياسية على نظام طهران.
النتيجة ظلت دائما واحدة، وهي أن الطموح الإيراني لم يتراجع يوما، بل ازداد ترسيخا ونجاحا بمرور الوقت، وهو ما يؤكد أن هذه السياسات كانت بحاجة إلى معالجة مختلفة هذه المرة.
لم يكن الجنوح إلى ضربة عسكرية قرارا سهلا بالنسبة لهذه الإدارة أمام مجموعة الحسابات المعقدة المطروحة أمامها لكنها رأت في أن عملا عسكريا دقيقا وجادا وقويا من شأنه أن يأتي بمعطيات جديدة للعلاقة مع طهران وإلى الصورة الدولية للولايات المتحدة.
ترامب، بحسب مقربين من الإدارة، كان يتوقع أن ينظر إلى الضربة العسكرية من زاوية أنها خطوة متقدمة من إدارته مقارنة بالإدارات السابقة التي اختارت أن تقف متفرجة على تقدم المشروع النووي الإيراني، لكنه فضل أن يتعامل مع طهران بأسلوب مختلف في ولايته الثانية، وتقديم عرض تفاوضي محدد في توقيته الزمني، حيث لا تستغرق المفاوضات وقتا طويلا وشاقا من أجل الوصول إلى نتائج معروفة سلفا، كما ترى هذه الإدارة.
ولكن، مع تجهيز خطة عسكرية تستهدف المنشآت النووية الإيرانية وتوجيه ضربة مؤلمة للنظام الحاكم في إيران أظهرت هذه الإدارة أنها عازمة على تحقيق هدف الولايات المتحدة الاستراتيجي وهو عدم السماح لإيران بامتلاك أي سلاح نووي في المنطقة.
المقربون من الإدارة الأمريكية يقولون إن النقاش الداخلي يدور الآن حول تقييم الإدارة الإعلامية لملف إيران، وما إذا كان قرارا جيدا أن يستأثر الرئيس بهذه الإدارة وأن يكون الحديث والظهور العام فيها مقتصرا على ترامب دون بقية مسؤولي الإدارة.
فكرة الإدارة في الأصل كانت تهدف إلى ربط الملف بالكامل بإرادة الرئيس وإظهار ذلك للرأي العام حتى لا يفتح الباب أمام أي تصريحات يمكن أن تخرج عن المعنى الذي يريده الرئيس بأن يصل إلى الإيرانيين في الضفة الأخرى وأن تكون الرسالة واحدة في المصدر والمعنى.
لاحقا اتضح أن هذه الاستراتيجية جعلت الأمر يأخذ وقتا أطول وطاقة كبيرة من جهد ووقت الرئيس بشكل يومي فيما يعاني الشركاء في الكونغرس، الغرماء الديمقراطيون، من نقص كبير في وفرة المعلومات التي تساعد في فهم توجهات الإدارة وتقييمها بالصورة الصحيحة.
من هنا جاء قرار الرئيس لاحقا بإعطاء ضوء أخضر لوزارة الدفاع بالدخول على خط الإدارة الإعلامية للملف عندما قرر إرسال وزير الدفاع بيت هيغسيث من لاهاي خلال قمة الناتو في رحلة طارئة إلى واشنطن للدفاع عن قرار الرئيس وتقديم تفاصيل العملية العسكرية بمعية رئيس هيئة الأركان الأسبوع الماضي.
كان ذلك في الجانب العسكري، لكن في ما يرتبط بالجانب السياسي كان مشروع قرار الإنفاق والإصلاح الضريبي في الكونغرس فرصة للإدارة لضخ المزيد من الطاقة في العلاقة مع أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين وإظهار المزيد من التنسيق معهم، وهو الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى تصويت هؤلاء بالأغلبية لمنع قرار تقدم به الشيوخ الديمقراطيون يحد من صلاحية ترامب في شن ضربات عسكرية جديدة ضد إيران.
هناك شعور مربك عند أركان إدارة ترامب، حيث يختلط شعور الاعتزاز بالمكاسب النوعية التي يحققونها في وجه الغرماء الديمقراطيين في مساعيهم لتقويض صلاحيات الرئيس في مواجهة الكونغرس مع القلق بما يتصل بالمعاناة في إنهاء أزمة الروايات المتضاربة عندما يتعلق الأمر بالنجاح في تحقيق أهداف العملية العسكرية.
يقول المقربون من إدارة ترامب إن قرارا اتخذ على مستوى الإدارة يقضي بتوجيه النقاش الإعلامي من الجانب السياسي للعملية العسكرية إلى اتهام المشككين فيها بالتقليل من شأن الكفاءة المهنية للطيارين المنفذين للعملية وتضحياتهم في سبيل تحقيق أهداف الإدارة، وهو الأمر الذي سوف يضع المعارضين في مواجهة أخلاقية أدبية سوف يعملون على تجنبها حماية لصورتهم الاجتماعية وتمسكا بسلوكهم السياسي السليم، وهو أمر في مقابل ذلك سوف يرفع الضغط الهائل عن الإدارة وما تواجهه من انتقادات لقرارها العسكري.
سعت الإدارة طيلة الأسبوع الماضي إلى جر النقاش الوطني في هذا الاتجاه، لكن حتى هذه المحاولة لا تزال بعيدة عن أن تحقق هدف الإدارة، لذلك كشف المقربون أن هناك خطة لدى محيط الرئيس بأن يقيم ترامب حفلا تكريميا في البيت الأبيض للطيارين وعائلاتهم.
هذا الامر لا يزال قيد المناقشة حتى الآن بسبب المحافظة على السرية حول أسماء وهوية من كانوا وراء عملية عسكرية بهذا الحجم من التعقيد والخطورة وتعريض حياتهم وعائلاتهم لأي خطر محتمل.
ولا يزال النقاش جاريا داخل أروقة الإدارة بهذا الخصوص، ولكن التقييم الأولي يقول إن هذا الحفل سوف يحقق الهدف بنقل النقاش من الجانب السياسي في العملية العسكرية إلى الاحتفال بأبطال وطنيين كانوا وراء أعقد عملية عسكرية نفذت في تاريخ الجيش الأمريكي باستخدام تكنولوجيا ومعدات غير مسبوقة في تاريخ جيوش العالم.
وسيكون هذا الإخراج هو السيناريو الأفضل من وجهة نظر المدافعين عن هذه المبادرة وجعل النقاش الوطني ينتقل إلى الاحتفاء بالتفوق العسكري الأمريكي العالمي ونوعية العملية العسكرية والدفع بمشاعر الفخر للظهور على حساب الجدل السلبي المحيط بالعملية العسكرية في العاصمة واشنطن منذ بدء التخطيط والتجهيز لها إلى اليوم.