حقق حزب الشعب الجمهوري المعارض نصراً قضائياً مهماً في تركيا، عندما أيدت محكمة في أنقرة شرعية قيادته الحالية التي كانت مهددة بالعزل بعدما نجح التيار الإصلاحي الذي تمثله في هزيمة الحزب الحاكم، العام الماضي، لأول مرة منذ 22 عاماً.
ورفضت المحكمة المدنية الابتدائية رقم 42 في أنقرة، يوم الجمعة، الدعوى المرفوعة لإلغاء نتائج انتخابات مؤتمر حزب الشعب الذي عقد عام 2023 وفازت فيه القيادة الحالية بزعامة أوزغور أوزيل.
واعتبرت المحكمة أنه لم يعد هناك أي أساس لإقامة الدعوى التي رفعها أعضاء في الحزب ذاته بتهمة التلاعب في التصويت عبر الرشوة، وأشارت إلى أن الحزب أعاد انتخاب أوزيل زعيماً له في مؤتمر استثنائي عقده الشهر الماضي في أنقرة.
واحتفل أكبر أحزاب المعارضة التركية، بقرار المحكمة الذي كان محل ترقب، خشية عزل أوزيل وإعادة الرئيس السابق للحزب كمال كليتشدار أوغلو إلى منصبه، أو حتى تعيين وصي على الحزب.
وأصدر الحزب وزعيمه ونوابه في البرلمان، سلسلة بيانات وتصريحات عبرت عن تأثير القرار على مستقبل الحزب وخططه في الوصول للسلطة عبر الدعوة المبكرة للانتخابات الرئاسية بدلاً من انتظار موعدها عام 2028.

ويمثل قرار المحكمة، نجاحاً للخطوات التي اتخذها حزب الشعب الجمهوري في الفترة الماضية استعداداً للمحاكمة، وانتهت برفض قبول الدعوى بالفعل كما خطط زعيم الحزب أوزيل ومحاموه.
فقد نظم حزب الشعب، الشهر الماضي، مؤتمرا عاما استثنائيا، شهد تصويتا على حجب الثقة عن قيادته ومن ثم إعادة انتخابها مجددا، في إجراء وصفه رجال القانون في الحزب بأنه تكتيكي، ويستهدف مواجهة أي قرار قضائي بحل قيادة الحزب التي انتخبت عام 2023.
وشهدت الجلسة تفاصيل غير معتادة في مؤتمرات الحزب، مثل طلب زعيمه أوزغور أوزيل من مندوبي الحزب الذين سيصوتون فيه، حجب الثقة عن القيادة، وهو ما تم بالفعل، ثم أعيد انتخاب القيادة ذاتها مع تغيير اسم واحد فقط.
ومع ذلك، لايزال لدى مقدمي الدعوى، حق الاعتراض على قرار المحكمة، وهو ما أشار إليه محاميهم أونور يوسف أوريغن، عندما قال في بيان: "لم نكن نتوقع الرفض. كنا نتوقع قبول قضيتنا. لقد كان قرارا مفاجئا. سنواصل السعي وراء سبل الانتصاف القانونية المتاحة. وسنمضي قدما في إجراءات الاستئناف".
وينهي قرار المحكمة، الجدل المثار حول وجود انقسام داخلي في حزب الشعب الجمهوري، حيث أنهت المحكمة القضية، وبددت آمال عودة كليتشدار أوغلو لزعامة الحزب مجدداً، والذي يمثل التيار المحافظ فيه، وقد خسر انتخابات الرئاسة أمام رجب طيب إردوغان عام 2023.
وقال زعيم الحزب أوزغور أوزيل عقب صدور قرار المحكمة: "لقد حاولوا إصابتنا بالمرض. فكان لابد من وجود ميكروب، بحثوا عن ميكروب ووجدوه. حاولوا إدخاله إلى أجسامنا. لكنّ بفضل الجسم القويّ لحزب الشعب الجمهوري، بوحدته وتضامنه، لم يُصب بالمرض، ولم يفقد سلطته، ولم يتقبّل هذه الميكروبات وقد حُلّت هذه المشكلة تماما الآن".
وأشار أوزيل، وهو صيدلي، إلى تأثير قرار المحكمة برفض دعوى بطلان مؤتمر الحزب، على سوق الأسهم الذي انتعش عقب صدور القرار، وقال إن من وقف إلى جانب الاستبداد والمستبدين فقد خسر، بينما من وقف إلى جانب الديمقراطية فقد انتصر.
وصدر قرار المحكمة لصالح حزب الشعب الجمهوري، مع نصر جديد حققه الحزب أمس الجمعة، عندما تسلم رئيس فرع الحزب في إسطنبول، أوزغور تشيليك، من المجلس الأعلى للانتخابات، شهادة فوزه في الانتخابات الفرعية التي جرت قبل أيام.
وواجه تشيليك وقيادة فرع إسطنبول دعوى قضائية مشابهة، تشكك بصحة فوزه في الانتخابات الفرعية عام 2023، وقد انتهت بعزله وتعيين وصي على فرع إسطنبول الشهر الماضي؛ ما تسبب باحتجاج أنصار الحزب، يتقدمهم تشيليك لعرقلة وصول الوصي المعين والمدعوم بالشرطة لمكتبه.
ويمثل فوز تشيليك الأخير في الانتخابات الفرعية، نهاية فعلية لوجود وصي على فرع الحزب في إسطنبول التي تعد أهم المدن التركية والفيصل في المنافسات الانتخابية بعدد سكانها البالع 16 مليون نسمة، وأهميتها الاقتصادية والسياسية.
وأبرزت تلك المحاكمة والاعتراض الذي قاده على تعيين الوصي، تشيليك بوصفه أحد قادة حزب الشعب الجمهوري الصاعدين بالتزامن مع خسارة الحزب لرئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، المسجون في عدة قضايا بعدما بدا أقوى شخصيات الحزب ومرشحه للانتخابات الرئاسية القادمة.
ويمنح قرار المحكمة، زعيم حزب الشعب وقيادته، التفرغ لمتابعة خطتهم في الدعوة إلى انتخابات مبكرة بعدما انشغلوا في الفترة الماضية بمؤتمرات فرعية عادية واستثنائية كان الهدف منها في جانب منه، مواجهة المحاكمة وتجنب عزل قيادة الحزب.
وقال أوزغور تشيليك، عقب تسلمه شهادة فوزه برئاسة فرع إسطنبول: "تركيا الآن لديها حكومة منهكة. حزب الشعب الجمهوري يتقدم بثقة نحو السلطة. سنلجأ إلى صناديق الاقتراع لإجراء انتخابات مبكرة، ومع أصدقائنا، سنُغيّر هذه السلطة المستبدة بالتأكيد".
وأضاف في تصريحات صحفية: "سنبدأ عملية إعادة بناء مؤسسات الجمهورية. سنبدأ عملية إعادة بناء الديمقراطية في تركيا، وسنقود بلدنا معا نحو التنوير".
وفي السياق ذاته حول الفترة القادمة، قالت النائبة في البرلمان التركي عن حزب الشعب، آيلين نازلي كايا: "يواصل حزب الشعب مسيرته نحو السلطة، مدفوعا بإرادة الشعب، وبقوة أكبر.
وأضافت نازلي كايا عقب صدور قرار المحكمة لصالح حزبها: "سنرسخ سلطة الشعب في الانتخابات الأولى".
على الجانب الآخر، اعتبر حزب العدالة والتنمية الحاكم، أن قرار المحكمة يمس قضية داخلية لحزب الشعب الجمهوري، وعليه الآن تحديد كيفية حلها.
ونفى الحزب الحاكم عبر مسؤوليه ونوابه في البرلمان، طوال الفترة الماضية، اتهامات حزب الشعب له بأنه يستغل القضاء للضغط عليهم بعدما حقق الحزب المعارض فوزاً كاسحاً في الانتخابات المحلية العام الماضي وفاز بالبلديات الكبرى، بما فيها إسطنبول.
ودعا سافجي سايان، وهو سياسي تركي معروف، حزب الشعب المعارض لقبول أي قرار قضائي حتى لو كان ضدهم.
وقال سايان الذي أمضى 16 عاماً من حياته السياسية عضواً في حزب الشعب، قبل أن ينضم لحزب العدالة والتنمية منذ 2015: "يجب علينا أن نؤمن بالقانون في جميع الحالات، وليس فقط عندما يناسبنا. لا يزال هذا البلد يتمتع بنظام عدالة".
وكان سايان يشير لمحاكمة أكرم إمام أوغلو المسجون في عدة قضايا، بجانب 16 رئيس بلدية كبرى وفرعية تابعين لحزب الشعب الجمهوري الذي يتهم الحكومة بتسييس القضاء والضغط عليه خشية تصاعد شعبيته.
ويستند حزب الشعب الجمهوري في مطالبه بإجراء انتخابات مبكرة إلى نتائج استطلاعات رأي عديدة يقول إنها تظهره متقدماً على الحزب الحاكم فيما لو أجريت الانتخابات في الفترة الحالية وسط تمسك إردوغان وحزبه بموعد 2028.
ومع ذلك قد يلجأ الحزب الحاكم بالفعل لانتخابات قبل عام 2028 لضمان قدرة إردوغان على الترشح فيها قبل نهاية فترة رئاسته الثانية الحالية بعد إقرار تعديل دستوري جديد لتركيا عام 2017، نقلها للنظام الرئاسي الذي يقيد فترة الرئاسة بدورتين للشخص الواحد.