يعيش حزب الشعب الجمهوري المعارض في تركيا تغييرات لافتة في الساعات الأخيرة قبيل عقد مؤتمر عام استثنائي جديد لاختيار قيادة جديدة، تحسبًا لعزل قيادته الحالية عبر القضاء بتهمة "التلاعب بالأصوات" في مؤتمر عام 2023.
وسمحت اللجنة العليا للانتخابات للحزب بعقد مؤتمره الاستثنائي يوم الأحد، ورفضت اعتراضات تقدّم بها أعضاء آخرون طالبوا بمنع انعقاده، وسط انقسام داخلي يعصف بأكبر أحزاب المعارضة خلال العامين الأخيرين.
كما أيدت محكمة استئناف في إسطنبول حكمًا بسجن رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، لمدة عامين و7 أشهر بتهمة إهانة رئيس وأعضاء اللجنة العليا للانتخابات، مع حرمانه من العمل السياسي لأربع سنوات.
وفي السياق نفسه، قررت محكمة في أنقرة قبل يومين تأجيل البت في شرعية المؤتمر العام العادي لحزب الشعب الجمهوري الذي عُقد عام 2023، إلى يوم 24 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وهو قرار قد يفضي إلى إبطال المؤتمر، وعزل القيادة الحالية، وتعيين وصي على الحزب.
ويمثل يوم الأحد محطة مفصلية في تاريخ حزب الشعب الجمهوري، إذ سيعقد مؤتمره الاستثنائي في العاصمة أنقرة، وتشير جميع التوقعات واستطلاعات الرأي إلى أن الزعيم الحالي أوزغور أوزيل سيعاد انتخابه.
وزادت هذه التوقعات مع إعلان أوزغور كان صالجي، أحد أبرز المنافسين المتوقعين، عدم خوضه السباق الداخلي، قائلاً عبر "إكس": "سيشعر من ينتظرون انقسام حزبنا بخيبة أمل كبيرة".
يُنظر إلى الحكم ضد إمام أوغلو بالسجن والعزل السياسي على أنه خسارة كبيرة له ولحزبه؛ إذ كان قد اختير مرشحًا محتملاً للانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة عام 2028، أو في حال إجرائها مبكرًا كما يطالب الحزب.
ويُعد إمام أوغلو منافسًا قويًا للرئيس رجب طيب أردوغان، بعد فوزه مرتين متتاليتين برئاسة بلدية إسطنبول، التي شكلت تاريخيًا منصة صعود أردوغان إلى رئاسة تركيا، كما أن المدينة ذات الـ16 مليون نسمة تمثل مؤشرًا رئيسيًا على شعبية السياسيين ومكانة اقتصادية وتاريخية بارزة.
ولا يزال أمام إمام أوغلو، المعزول والموقوف بتهم فساد لم يُبتّ فيها بعد، إلى جانب اتهام آخر يتعلق بعدم قانونية شهادته الجامعية، فرصة طعن أخيرة أمام المحكمة العليا على حكم سجنه وعزله السياسي في قضية "إهانة اللجنة العليا للانتخابات".
شكّل قرار المحكمة المدنية في أنقرة بتأجيل البت في شرعية مؤتمر 2023 فرصة لقيادة الحزب لترتيب أوراقها، قبل معركة قضائية قد تستمر طويلاً. فالحزب يواجه في 24 أكتوبر/تشرين الأول احتمال إبطال مؤتمره، وبالتالي عزل قيادته المنتخبة، وسط توقعات بعودة الزعيم السابق كمال كليتشدار أوغلو إلى موقعه، أو تعيين وصي على الحزب.
وخلال الأزمة، التزم كليتشدار أوغلو الصمت، ولم يعلن دعمه لأوزيل، ما اعتُبر مؤشرًا على عمق الانقسام بين جيل "الحرس القديم" المحافظ الذي يمثله كليتشدار أوغلو، وجيل الإصلاح الذي يمثله أوزيل وإمام أوغلو.
ويتوقع محللون سياسيون أن تقود الأزمة إلى أكبر انقسام في تاريخ الحزب، خاصة إذا عاد كليتشدار أوغلو إلى الزعامة بقرار قضائي، ما قد يدفع بعض القيادات للانشقاق وتشكيل حزب جديد يضم أسماء بارزة.
وتاريخ السياسة التركية مليء بانشقاقات مشابهة، في حين تبقى العودة إلى الحزب الأم خيارًا قائمًا كما حدث مع محرم إنجه الذي أسس حزبًا جديدًا قبل أن يعود أخيرًا إلى حزب الشعب الجمهوري.
وقال المحلل السياسي التركي علي أسمر إن "الحزب يواجه سيناريوهين رئيسيين: الأول تثبيت قيادة أوزغور أوزيل واستمرار الاستقرار المؤقت حتى جلسة 24 أكتوبر، والثاني صدور حكم بطلان مطلق لمؤتمر 2023، ما يفتح الباب أمام عودة كليتشدار أوغلو إلى القيادة، ويعمّق الانقسام بين التيار الجديد والفريق التقليدي".
وأضاف أسمر، لـ"إرم نيوز"، أنه "لا يُستبعد لجوء بعض أعضاء الحزب إلى الانشقاق وتأسيس تشكيلات سياسية جديدة تنافس حزب العدالة والتنمية الحاكم".
يعوّل الحزب على نجاحه في الانتخابات المحلية عام 2024 التي انتزع فيها البلديات الكبرى من الحزب الحاكم، ويستند إلى استطلاعات رأي تظهر تقدمه إذا جرت الانتخابات الآن.
لكن الحكومة تتمسك بإجرائها في موعدها عام 2028.
ويتهم قادة حزب الشعب الحكومة والرئيس أردوغان بالوقوف خلف الأزمة الحالية، عبر "هندسة سياسية" تستخدم القضاء وسيلة للضغط عليهم.
بينما ترد الحكومة بأن ما يجري أزمة داخلية تخص الحزب، وأن القضاء مستقل ويحقق في قضايا فساد لم تصدر فيها أحكام بعد.
وقد نظّم الحزب احتجاجات واسعة في إسطنبول وأنقرة شارك فيها عشرات الآلاف، ردًا على اعتقال إمام أوغلو وتفاقم أزماته الداخلية، في إشارة إلى أن خيار الشارع يبقى ورقته الضاغطة في مواجهة الضغوط السياسية.