مسيّرة تستهدف سيارة على طريق بلدة مركبا جنوبي لبنان
تشهد العاصمة التركية أنقرة تصعيداً سياسياً جديداً بين حزب الشعب الجمهوري المعارض وحزب العدالة والتنمية الحاكم، في مشهد يعيد إلى الأذهان ما شهدته مدينة إسطنبول خلال الأشهر الماضية، قبل أن يمتد التوتر هذه المرة إلى قلب العاصمة.
وقررت بلدية أنقرة، التي يديرها حزب الشعب الجمهوري المعارض، رفع دعوى قضائية ضد رئيسها السابق مليح غوكتشيك، المنتمي لحزب العدالة والتنمية الحاكم، بتهم تتعلق بالتلفيق ونشر معلومات مضللة عن البلدية.
وتأتي هذه الخطوة في وقت يواجه فيه رئيس البلدية الحالي، منصور يافاش، استجوابا في قضية فساد تتعلق بأجور تنظيم الحفلات الفنية، يشتبه بتورط عدد من موظفي البلدية ومسؤولي شركات خاصة فيها.
واختارت بلدية أنقرة الرد على الانتقادات التي يوجهها لها "غوكتشيك" على الدوام عبر القضاء هذه المرة على الرغم من انتقادها السابق من عدم متابعة شكاوى سابقة لها في اتهامات فساد خلال فترة توليه رئاسة البلدية بين عامي 1994 و 2017.
وأعلنت البلدية عن تقديم شكوى ضد "غوكتشيك" التي قالت إنه نشر صوراً قديمة وكأنها جديدة، مستخدمًا تعبيرات مثل "أنقرة تشهد كارثة!" و"أنابيب المياه انفجرت مرة أخرى!"، مما أدى إلى تلفيق معلومات مضللة أثارت الذعر في أوساط سكان أنقرة.
وقالت البلدية، في بيان، مساء الأربعاء، إن منشورات "غوكتشيك" التي كتبها عبر حسابه في "إكس" تضلل الجمهور بشكل متعمد، وتستهدف السلام العام وجهود فرق شركة المياه التي تعمل بتفانٍ كبير في المدينة.
ورد "غوكتشيك" على بيان بلدية أنقرة، بطريقة ساخرة، وواصل توجيه انتقادات لرئيسها منصور يافاش تتعلق بعمل البلدية ومشاريعها والخدمات التي تقدمها، بما في ذلك انفجار أنابيب مياه رئيسة الشهر الماضي، استغرق إصلاحها أياماً.
ويرى مراقبون أن قرار بلدية أنقرة بمقاضاة رئيسها السابق مليح غوكتشيك يمثل فصلاً جديداً في تصاعد الأزمة السياسية والقضائية بالعاصمة، أشبه بـ"كرة ثلج" تكبر مع مرور الوقت، بعد أن بدأ التصعيد الشهر الماضي حين أوقفت الشرطة 14 مسؤولاً في البلدية على خلفية قضية تتعلق بتمويل الحفلات الفنية.
وأثار ذلك غضب رئيس البلدية الحالي، منصور يافاش، الذي اعتبر الخطوة محاولة لتشويه سمعته وسمعة بلدية أنقرة، خصوصا مع تزايد الحديث عن إمكانية ترشحه للانتخابات الرئاسية المقررة عام 2028، أو قبلها في حال نجح حزبه في فرض انتخابات مبكرة.
وتواصلت فصول القضية، إذ طلبت النيابة العامة في أنقرة الأسبوع الماضي الإذن من وزارة الداخلية لفتح تحقيق مع يافاش نفسه، في إطار اتهامات بإنفاق غير قانوني على حفلات غنائية نظمتها البلدية بين عامي 2021 و2024.
وقالت بلدية أنقرة في بيان صدر الشهر الماضي، بالتزامن مع توقيف عدد من موظفيها ومسؤوليها في إطار التحقيق بقضية الحفلات الفنية، إنها أنفقت نحو 30 مليون دولار على 426 فعالية نُظمت بين عامي 2019 و29 أكتوبر/ تشرين الأول 2024.
وأضافت البلدية أن إدارة رئيسها السابق مليح غوكتشيك، أنفقت بدورها 33 مليون دولار على 80 فعالية فقط خلال الفترة الممتدة بين عامي 2014 و2019، في مقارنة اعتبرتها البلدية دليلاً على الشفافية وحسن إدارة الموارد العامة.
بات القضاء التركي منذ تصعيد قضية الحفلات الموسيقية الشهر الماضي عبر اعتقال موظفين من البلدية بدلاً من محاكمتهم طلقاء، في مرمى الانتقادات واتهامات الرضوخ لضغوط الحكومة التي تنفي أي دور لها في الإجراءات القضائية.
ورد يافاش على طلب التحقيق معه، الأسبوع الماضي، بالقول إنه مستعد للإدلاء بأقواله حتى من دون طلب إذن الداخلية، ولا شيء لديه ليخفيه، ولم يقم بعمل يخشى المحاسبة عليه، وفق تعبيره.
وأضاف يافاش في بيان، إن تحقيقات شاملة أجرتها سابقاً الجهات المختصة، في القضية، أثبتت عدم وجود تجاوز أو فساد يستدعي زج اسمه في القضية.
وأشار يافاش إلى أن التحقيق معه ذو طابع سياسي، عندما قال إن "ما يحدث الآن يُلقي بظلاله على العدالة والمعايير المزدوجة في تطبيق القانون.. لا تجعلوا العدالة أداة سياسية".
وتشير تلميحات يافاش لتورط غوكتشيك في قضية مشابهة لتلك التي سيخضع للتحقيق فيها، لكنها لم تحظَ بتحقيق وإجراءات مماثلة لما تواجهه البلدية حالياً.
إذ تقول بلدية أنقرة إنها قدمت شكاوى ضد غوكتشيك، ومسؤولين آخرين من الفترة الماضية، بتهم التلاعب في المناقصات والإضرار بالمصلحة العامة، إلا أن معظمها رُفض، وصدرت لوائح اتهام في 11 قضية فقط، لم تُفضِ أي منها إلى إجراءات قانونية أو اعتقالات، ولم يُتخذ أي إجراء في 5 قضايا على مدى 6 سنوات، وأن مليح غوكتشيك كان طرفاً في قضيتين منها.
عاشت مدينة إسطنبول منذ يوم 19 مارس/ آذار الماضي، تصعيداً سياسياً لا تزال تداعياته حاضرة في المدينة حتى اليوم وإن بحدة أقل، عقب اعتقال رئيس البلدية المنتمي لحزب الشعب الجمهوري، أكرم إمام أوغلو، بتهم فساد يقول هو وحزبه إنها ذات طابع سياسي عبر استغلال القضاء من قبل الحكومة.
ونظم حزب الشعب احتجاجاً كبيراً استمر لأيام عقب سجن إمام أوغلو، وشهد اعتقال الشرطة لمئات المحتجين، قبل أن يقرر الحزب إنهاء الاحتجاج وتنظيم تجمعات لمؤيديه بلغ عددها أكثر من 60 تجمعاً، آخرها كان قبل يومين في منطقة "ساريير" في الجانب الأوروبي من إسطنبول، للمطالبة بإطلاق سراحه وسراح 17 رئيس بلدية موقوفًا، وجميعهم تابعين للحزب بتهم فساد وقضايا متنوعة.
يبدو أن حزب الشعب الجمهوري مستعد لتصعيد مماثل في حال تعرض رئيس بلدية أنقرة، منصور يافاش، لمزيد من الضغوط، حيث أكد زعيم الحزب أوزغور أوزيل وكبار نوابه وسياسييه دعمهم الكامل له، وظهرت صوره بجانب رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، في الميادين وعلى حملات التضامن الإلكترونية، ما يشير إلى أن أنقرة قد تشهد سيناريو مشابه من الاتهامات والسجال السياسي والدعاوى القضائية المتبادلة.
ويعد يافاش، المحامي التركي البارز، شخصية سياسية قادرة على تمثيل حزبه بعد فوزه في الانتخابات المحلية ببلدية أنقرة مرتين متتاليتين في 2019 و2024، بنسبة أصوات اقتربت من 60% أمام منافسه من حزب العدالة والتنمية الحاكم.
في المقابل، يعتبر إمام أوغلو المرشح الأكبر حظا للفوز برئاسة تركيا بعد أن فاز مرتين متتاليتين برئاسة بلدية إسطنبول، المدينة ذات المكانة السياسية والاقتصادية الكبيرة، والتي كانت نقطة انطلاق للرئيس رجب طيب أردوغان نحو رئاسة الحكومة قبل أكثر من 20 عاما.