أخذ الخلاف السياسي الحاد بين حزب الشعب الجمهوري في تركيا، والحكومة برئاسة رجب طيب أردوغان، منحى جديدًا هذا الأسبوع، عندما توجَّه أكبر حزب معارض في البلاد نحو أوروبا لحشد الدعم لموقفه.
فقد نظَّم حزب الشعب الجمهوري تجمعًا حاشدًا في العاصمة البلجيكية بروكسل، يوم الأحد الماضي، هو الأول له خارج البلاد منذ مارس/آذار الماضي عندما بدأ حملة مناهضة للاعتقالات ضد رؤساء بلديات تابعة له بتهم متنوعة بينها الفساد.
ويتصدر رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، المسجون منذ أكثر من 200 يوم، مطالب حزبه في الإفراج عنه وعن رؤساء 16 بلدية رئيسية وفرعية أخرى تابعة له بعدما حقق فوزًا كاسحًا في الانتخابات المحلية التي جرت العام الماضي.
وإمام أوغلو معروف في أوروبا، إذ يدير بلدية مدينة إسطنبول، إحدى أكبر المدن الأوروبية، منذ العام 2019، عندما فاز في الانتخابات المحلية على حساب مرشح حزب العدالة والتنمية الحاكم، ومن ثم كرر فوزه في انتخابه 2024.
كما أن إمام أوغلو هو المرشح الرئاسي لحزبه في أقرب انتخابات رئاسية ستشهدها البلاد، عام 2028 أو بموعد مبكر كما تطالب المعارضة، وسط توقعات بأن يكون منافسًا قويًّا بالنظر لمكانة مدينة إسطنبول التي قَدِم من بلديتها الرئيس أردوغان قبل 23 عامًا.

ووجد احتجاج حزب الشعب الجمهوري على اعتقال إمام أوغلو صدًى في أوروبا، إذ حضر تجمع بروكسل يوم الأحد مؤيدو الحزب الأتراك المقيمون في بلجيكا أو دول أوروبية أخرى قدِموا منها للدعم وفق ما قالت وسائل الإعلام التركية المقربة من الحزب.
كما شارك رؤساء بضع مدن أوروبية عبر رسائل لهم قُرئت أمام الحشد، ومثلت عمدة روما وعمدة أمستردام وعمدة بودابست وعمدة كولونيا، ورئيسة مجلس مدينة فرانكفورت. كما انضم عمدة بروكسل فيليب كلوز إلى الاجتماع عبر رسالة فيديو.
بدت رسالة إمام أوغلو التي قُرئت أيضًا في التجمع، شديدة اللهجة في انتقاد الحكومة والتلميح لدورها في استغلال القضاء لأجل الضغط على حزب الشعب واعتقال شخصياته السياسية التي حققت نجاحًا في الانتخابات.
وقال إمام أوغلو الذي اعتاد إرسال رسائل للتجمعات الداخلية المتواصلة منذ أشهر ضد اعتقاله: "اليوم يتطلب الأمر شجاعة ليس فقط للمطالبة بالديمقراطية والعدالة، بل أيضًا لعدم الصمت في وجه الظلم والحرمان من حقوقنا الديمقراطية".
وأضاف: "لقد تأسس الاتحاد الأوروبي يومًا ما بهذه الشجاعة العظيمة التي أظهرتها الشعوب المنهكة من الحروب من أجل السلام والحرية والكرامة الإنسانية.. وبينما تبتعد أوروبا عن قيمها وتسعى وراء مصالحها قصيرة الأجل، فإنها تُعرّض ديمقراطيتها للخطر على المدى البعيد".
وتابع: "انتُخبتُ رئيسًا لبلدية إسطنبول الكبرى 3 مرات بتصويت حر من الشعب. ورغم أن حريتي سُلبت مني اليوم، فإن كفاحي لم ينتهِ قط. لأن هذا ليس نضالي وحدي، بل نضال تركيا العادلة والحرة. إنه نضال من أجل شرف وكرامة أمة عظيمة أنهكها الفقر والظلم وانعدام القانون".
وخلال التجمع الذي حضره رؤساء أحزاب أوروبية، ألقى زعيم حزب الشعب الجمهوري، أوزغور أوزيل، كلمة شديدة اللهجة أيضًا ضد حكومة حزب العدالة والتنمية، التي قال إنها "تعمل من أجل مصالحها الخاصة بدلًا من مصالح تركيا".
كما ركز أوزيل على علاقة أردوغان بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد لقائهما الشهر الماضي في واشنطن، والذي أثار انتقادات حزب الشعب الجمهوري الذي ينتقد تلك العلاقة ويقول إنها على حساب الاقتصاد والمصالح التركية، ويتهم أردوغان بمحاولة كسب الشرعية من ترامب والبيت الأبيض بعدما فقدها في الداخل وفق تعبير أوزيل.
وأغضب تنظيم احتجاج بروكسل الحزب الحاكم، الذي عبر عنه الرئيس أردوغان عندما قال: "لم نستطع تعليم المعارضة كيف تقف بثبات في مواجهة الغرب. لم نستطع أن نشرح لهؤلاء السادة أنهم مهما فعلوا داخل البلاد، يجب أن يتصرفوا كأحزاب تمثل تركيا عندما يذهبون إلى الخارج".
وأضاف أردوغان في خطاب خلال فعالية في مدينة طرابزون بمنطقة البحر الأسود بأقصى شمال تركيا: "إنهم يتوسلون إلى الدول الغربية أن تدع هؤلاء اللصوص، الذين يواجهون مليارات الليرات في اتهامات فساد، يفلتون من الملاحقة القضائية.. ألا تشعرون بالخجل من انتقاد بلدكم أمام الأجانب؟".
وتابع: "نسأل رئيس حزب الشعب الجمهوري: ألا تحترم هويتكم كحزب المعارضة الرئيسي في تركيا؟ ألا تشعرون بالخجل عندما تُشوّهون سمعة الديمقراطية التركية أمام أصدقائكم الأجانب؟ إن لم تُفيدوا وطننا وشعبنا، فعلى الأقل لا تضرّوهم".

ويمثل احتجاج بروكسل خيارًا جديدًا لحزب الشعب الجمهوري المعارض، في سعيه للضغط من أجل الإفراج عن إمام أوغلو أو محاكمته طليقًا في بضع تهم يواجهها تتعلق بالفساد وبقانونية شهادته الجامعية وقضية إهانة مسؤولي هيئة الانتخابات العليا.
وحتى في حال صدور قرار بعزل إمام أوغلو سياسيًّا في إحدى تلك القضايا، وحرمانه من المشاركة في الانتخابات الرئاسية المبكرة التي يطالب بها حزب الشعب، فإن لدى الحزب مرشحًا بديلًا هو رئيس بلدية أنقرة منصور يافاش الذي يُعد بدوره شخصية سياسية ذات شعبية في البلاد.
ويريد حزب الشعب الجمهوري تنظيم انتخابات رئاسية الشهر المقبل أو في ربيع العام المقبل، بهدف الاستفادة من شعبيته التي تظهر في تفوقه على حزب العدالة والتنمية في استطلاعات رأي كثيرة يشكك فيها الحزب الحاكم الذي يتمسك بموعد 2028.
وقال النائب السابق عن حزب الشعب الجمهوري، محمود تانال، إن مظاهرة بروكسل تأتي "في وقت يُداس فيه القانون تحت الأقدام، وتُسلم السلطة القضائية إلى السياسة، ويُستهدف المسؤولون المنتخبون".
وأضاف في رد على الانتقادات لمظاهر بروكسل: "إذا كانت حكومة حزب العدالة والتنمية تشعر بعدم الارتياح اليوم، فهذا يعني أننا ضربنا في المكان الصحيح. لأنه إذا بقينا صامتين، فإن تركيا سوف تبقى صامتة".
وتابع السياسي البارز في حزب الشعب عبر حسابه في "إكس": "إذا تراجعنا، فإن سيادة القانون والأمل سوف ينتهيان. حزب الشعب الجمهوري، الذي يحمل إرادة الشعب إلى بروكسل، سوف يستمر في الدفاع عن الديمقراطية بلا حدود".
وتزامنت مظاهرة بروكسل مع صدور قرار جديد من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان يدين تركيا لاحتجازها السياسية الكردية النائبة، آيسل توغلوك، منذ نحو 9 سنوات بتهم تتعلق بدعم الإرهاب.
وسبق للمحكمة التي تشارك أنقرة في عضويتها، أن أصدرت عددًا من القرارات بالإفراج الفوري عن معتقلين في تركيا، بداعي أن توقيفهم يشكل انتهاكًا لحقوقهم السياسية في حرية التعبير.
ولم تتدخل المحكمة حتى الآن في قضية احتجاز إمام أوغلو الذي يطالب بتوجيه اتهامات رسمية له بعد أكثر من 200 يوم على اعتقاله. أو إطلاق سراحه ومحاكمته طليقًا في قضية الفساد داخل البلدية، المتهم فيها.
ولدى حزب الشعب الجمهوري عدة خيارات لأجل مطلب الانتخابات المبكرة، وبينها اللجوء للشارع بعد أن نجح منذ مارس/آذار الماضي في تنظيم عشرات الاحتجاجات التي استمر بعضها لأيام، فيما مثَّل تجمع بروكسل منحى جديدًا لكونه الأول خارج تركيا. كما نظم الحزب في وقت سابق، حملة توقيع في جميع أنحاء تركيا، مثلت استفتاءً غير رسمي يطالب بإجراء انتخابات مبكرة والإفراج عن إمام أوغلو.
ودأب الحزب على تنظيم تجمعات لأنصاره في المدن التركية، يحضر كثير منها زعيم الحزب أوزغور أوزيل، بينما يواصل مع باقي مسؤولي الحزب الظهور الإعلامي في محطات التلفزة والحديث للصحف المحلية والحضور في مواقع التواصل الاجتماعي لإبقاء مطالبه نشطة.
كما يمتلك حزب الشعب الجمهوري، خيارًا لوّح به مسؤولوه سابقًا ولم يستخدموه بعد، وهو استقالة عدد من النواب التابعين له من البرلمان، بما يمثل شغور 5% من مقاعد البرلمان (30 مقعدًا من أصل 600)؛ ما يتيح قانونيًّا إجراء انتخابات برلمانية فرعية لِملء تلك الشواغر.
ويعزز ذلك الخيار فيما لو تحقق، من موقف حزب الشعب وقدرته على فرض إجراء انتخابات رفضتها الحكومة سابقًا، رغم كونها برلمانية فرعية وليست رئاسية كما يطالب.