أعاد تشكيل التحالفات المتطرفة وانسحاب القوات الأجنبية تعريف المشهد الأمني في منطقة الساحل الأفريقي خلال عام 2025، حث سُجلت بهذه البؤرة أكثر من نصف الوفيات المرتبطة بالإرهاب في العالم.
وتشهد منطقة الساحل "تحولاً كبيراً" من منطقة هامشية تتسم بالهشاشة المزمنة إلى مركز محوري للعنف العالمي، إذ باتت هذا العام تمثل 53% من الوفيات المرتبطة بالعمليات المسلحة.
ويشير خبراء أمن إلى أسباب الوضع الحالي الناتج عن عدة عوامل مجتمعة من تفكك مؤسسات الدولة، وتتابع الانقلابات العسكرية، والانسحاب التدريجي للجهات الفاعلة الغربية، وصعود قوى جديدة، ولا سيما روسيا والصين.
وفي ظرف 6 أشهر فقط من عام 2025، سجلت منطقة الساحل 4030 حالة وفاة من أصل 7610 حالة وفاة مرتبطة بالتطرف العنيف على مستوى العالم، وهو ما يُمثل أكثر من نصف ضحايا الإرهاب، في تحول تاريخي أثبت انتقال مركز ثقل التشدد من الشرق الأوسط إلى أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
وتُظهر البيانات التي جمعتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس" حجم هذا الإنفلات الأمني، فقد سُجّلت 450 هجمة إرهابية بين يناير ونوفمبر 2025.
وتواصل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وداعش في الصحراء الكبرى توسيع نفوذهما خارج حدود النيجر ومالي وبوركينا فاسو. وأشار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ، إلى أن "العديد من الدول الساحلية باتت مهددة".
ومعلوم أن الانهيار التدريجي للهياكل الأمنية في بوركينا فاسو ومالي والنيجر تفاقم منذ انسحاب القوات الأجنبية، ولا سيما القوات الفرنسية، ما تسبب في خلق فراغ استغلته الجماعات المسلحة سريعاً.
وأدى انتشار الهجمات إلى نزوح جماعي، حيث فرّ ما يقرب من أربعة ملايين شخص من ديارهم في بوركينا فاسو ومالي والنيجر والدول المجاورة. ويتفاقم هذا النزيف البشري بسبب أزمة حادة في قطاعي التعليم والصحة، إذ أُغلقت 14800 مدرسة، وتوقف أكثر من 900 مركز صحي عن العمل. وخلف هذه الأرقام، تنهار مجتمعات بأكملها، محرومة من الخدمات الأساسية.
كما لا يقتصر هذا التراجع على الجانب العسكري فحسب. فوفق "إيكواس"، فتحت الجماعات المسلحة جبهة جديدة بمهاجمة سلسلة الإمداد الإقليمية، إذ يشنّ المتشددون حربًا اقتصادية حقيقية من خلال الحد من إمدادات وتوزيع المنتجات الأساسية كالوقود. وحيثما يندر الوقود، تتباطأ الأسواق، ويتوقف النقل، وتُقنّن المستشفيات خدماتها، وتواجه العمليات الإنسانية صعوبة في الوصول إلى المناطق النائية.
ويتجلى هذا الأمر بشكل خاص في مالي، حيث يُفاقم النقص الحاد في الوقود، الناجم عن الحصار الذي تفرضه جماعة نصرة الإسلام الأزمة الإنسانية.
يأتي ذلك، في وقت تعزّز الوجود الروسي من خلال هيكل جديد يُسمى الفيلق الأفريقي، المُكلف بمهام التدريب والدعم، دون أي صلة مباشرة بمجموعة فاغنر.
وأفرز الوضع الأمني الهش ظهور أشكال جديدة من العنف، حيث تُستخدم النساء والفتيات بشكل متزايد كأدوات في يد الجماعات المسلحة لزعزعة استقرار المجتمع. ووفقاً لبيانات إحصائية، حُرمت أكثر من مليون فتاة من التعليم في النيجر ومالي وبوركينا فاسو.
وأبعد من ذلك، ابتداءً من العام 2024 فصاعداً، بدأت المنظمات الإرهابية في منطقة الساحل عملية إعادة تشكيل داخلية عميقة. وقد وسعت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين نفوذها إلى تشاد والنيجر، وقامت بتكييف خطابها مع كل سياق محلي لإضفاء الشرعية على وجودها.
من جانبها، اعتمدت داعش، القريبة من منطقة الساحل، ما يسمى باستراتيجية الكثافة المنخفضة والكفاءة العالية، والتي تعتمد على الغارات الخاطفة بالدراجات النارية والاستخدام المتزايد للطائرات المسيرة الخفيفة وفق ما يلاحظ متخصصون.
ولعكس دوامة العنف، سعت "إيكواس" إلى تسريع نشر قواتها الاحتياطية. وقد تمت الموافقة على تفعيلها في أغسطس 2025، إلا أن التنفيذ لا يزال يعاني من نقص التمويل. وتُعتبر الآلية المقترحة - التي تشمل الموارد الإقليمية ودعم الشركاء وتمويل الأمم المتحدة - مناسبة، لكنها تعاني من تأخيرات إدارية وميزانية.
وتقترح المجموعة بناء ميثاق بين التكتل الاقتصادي لدول غرب أفريقيا والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، ويُقدم على أنه "آلية تنسيق تهدف إلى تحقيق التناغم بين الأمن والحوكمة والعمل الإنساني". وترى أن اتحاد دول الساحل (مالي، بوركينا فاسو، النيجر)، الذي يختلف حاليًا مع إيكواس، يمكن أن يُكمل الأطر القائمة بدلاً من أن ينافسها.