قال المستشار السابق في البنك الدولي عمرو صالح، إن تفاوت نسب التعريفة الجمركية التي وضعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يخضع في جانب كبير إلى حسابات سياسية واستراتيجية مع بعض البلدان.
وأوضح صالح لـ"إرم نيوز"، أن "رسوم ترامب ستعمل على تحفيز اتفاقيات للتجارة الحرة بين بعض الدول"، مستبعدًا أن يكون هناك تحالف بين أوروبا والصين لمواجهة تلك الرسوم.
وأشار إلى أن "ترامب في ولايته الثانية محاط بالمغامرين، وهو تاجر يرى العالم في صورة عرض وطلب وفرص استحواذ وهذا سيؤدي إلى مزيد من الاضطراب في الأسواق العالمية".
وتاليًا نص الحوار:
حتى نفهم ونفسر ما يحدث من سياسات اتخذها ترامب، علينا العودة إلى 300 عام إلى الوراء للوقوف على كيفية نشأة الرأسمالية عبر أمبراطوريات في أوروبا اقتصاديًا، عندما بزغت قوتها بالذهاب إلى الاستحواذ على ثروات دول العالم لا سيما البلدان الفقيرة والنامية، حيث كان ذلك أبرز سمات الرأسمالية العالمية التي تظهر اليوم في ثوب جديد مع ما يسمى بـ" الرأسمالية الترامبية".
ترامب يسعى للنيل من المعادن والثروات بالعالم، وهذا واضح بمحاولات الاستحواذ على غرينلاند وكندا التي لديها أكبر إنتاج من الحبوب والمعادن وسط صفقة غير مرئية للسلام في أوكرانيا مقابل الفوز بجزء كبير من المعادن الكثيرة النادرة باهظة الثمن هناك، وسوف يكون هناك تقسيم لذلك بين واشنطن وموسكو.
ترامب ومساعدوه الذين هم من صقور الرأسمالية الكبرى وأصحاب الشركات المتحكمة في أسواق المال وتكنولوجيا المعلومات، يعملون في هذا الصدد، وبالتالي نسمع دائمًا أسئلة يكررها تدور حول "كم ستدفع.. على ماذا سنحصل.. ماذا عن التكلفة ؟"، وهي أسئلة ومصطلحات لـ"تاجر" يرى العالم في صورة عرض وطلب وفرص استحواذ وهذا سيؤدي إلى مزيد من الاضطراب في الأسواق العالمية فضلًا عن تأجيج الخلاف مع الصين بشكل أكبر، ما سيكون له تأثير على التجارة الدولية وعدم الأمان في الأسواق العالمية.
من المفترض أنه وضع الرسوم لتحقيق أعلى عائد للاقتصاد الأمريكي بتقليل دخول الواردات القادمة وتخفيض الفقد المالي في التجارة الخارجية لبلاده، واختلاف النسب يخضع في جانب كبير إلى أبعاد سياسية واستراتيجية مع بعض الدول على حساب الناحية الاقتصادية لا سيما أن الأساس هو تحصيل أكبر قدر من الرسوم، وهو ما يحققه بوضع نسب كبرى على دول يستهدفها في الأساس بهذه الرسوم.
لن تأتي بتكوين تكتلات اقتصادية جديدة ولكن ستؤدي إلى أمرين، الأول تفعيل اتفاقيات للتجارة الحرة بين بعض الدول وقيام بعض البلدان التي فرض عليها الرسوم الكبرى بالسعي لاتفاقيات تجارة حرة بين بعضها البعض أو الذهاب إلى أسواق بديلة بعد أن وجدت الأسواق الأمريكية "باهظة" ما سيحفز اتفاقيات التجارة الحرة الثنائية وليست متعددة الأطراف الخاصة بالتكتلات، وقد يؤدي ذلك أيضًا إلى تفعيل البريكس والتكتلات القائمة في الأساس ولكن لن يأتي ذلك بتأسيس تكتلات جديدة.
التحالف التجاري بين الصين وأوروبا مستبعد، لأن الحكومات الأوروبية المعارضة لروسيا والتي هي أيضًا غير متحالفة مع الصين لن تتجه إلى ذلك، كان يمكن هذا التحالف مع المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل التي كانت ضد الصدام الأوروبي الروسي، لكن في ظل الحكومات الحالية التي لا تحبذ التعاون مع روسيا أو الصين لن يحدث ذلك التحالف، لكن من الممكن أن يكون هناك بعض الاستثناءات التجارية بين أوروبا والصين.
فلسفيًا لا بد من الغوص في أعماق شخصية ترامب، فهو ليس رئيس دولة عادي ولكنه رجل أعمال متمرس وصاحب نظرية مكسب وخسارة، يتعامل مع العالم على أنه "لعبة شطرنج" يخوض فيه المعارك، لذلك فهو يحارب والحرب كر وفر، ويراهن بألا تكون هناك خسارة، والقاعدة الاقتصادية تقول إنك إذا أردت تحقيق المكاسب فعليك بالمغامرة، وكلما زادت المخاطرة كلما زاد المكسب، وهو رجل مغامر، ولا يوجد ما ينأى بالولايات المتحدة عن الخسارة.
ترامب يختلف في رئاسته الثانية عن الأولى التي كان فيها مغامر وعنيف ولكنه كان محاطًا بمجموعة من الموظفين، أما اليوم فهو محاط بـ"المغامرين" وبالتالي لا يمكن الحديث عن مكسب فقط، ولكن بالتأكيد من الممكن أن يكون هناك خسائر.