في الوقت الذي تتصاعد فيه الضغوط الدولية لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، يتجه حلفاء أوكرانيا، بدعم مباشر من واشنطن، نحو إطلاق مبادرة تمويلية غير مسبوقة لشراء أسلحة أمريكية بمليارات الدولارات، في خطوة قد تعيد رسم قواعد الاشتباك وتوازنات الدعم العسكري لكييف.
ووفق صحيفة "وول ستريت جورنال"، يستعد الحلفاء الغربيون لإطلاق صندوق جديد هو الأول من نوعه، يهدف إلى تمويل مشتريات أسلحة أمريكية لأوكرانيا، تنفيذاً لخطة أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي شدد على أن الولايات المتحدة ستُصنّع الأسلحة، بينما يتكفل الحلفاء بدفع ثمنها.
ويمثل الصندوق الجديد أول خطوة عملية في تنفيذ وعود ترامب بتحميل حلفاء الناتو الكلفة المالية لتسليح أوكرانيا، وبمقتضاه ستقوم الدول الأوروبية بتقديم مساهمات طوعية في حساب موحد، يدار تحت إشراف القائد الأعلى لقوات التحالف في أوروبا، الجنرال أليكسوس جرينكيفيتش، الذي سيتولى تحديد احتياجات الجيش الأوكراني من الأسلحة.
وتبلغ القيمة التقديرية الأولية لما سيتم جمعه عبر هذا الصندوق نحو 10 مليارات دولار، معظمها سستخدم لشراء أسلحة من خطوط الإنتاج الأمريكية، ما يُعزز بشكل غير مباشر من موقع الصناعات الدفاعية الأمريكية في المعادلة الدولية.
وبحسب مسؤول عسكري بارز في الناتو، فإن الغاية من هذا التحول ليست فقط دعم كييف عسكرياً، بل تحفيز موسكو على الجلوس إلى طاولة المفاوضات وإنهاء الحرب، لافتاً إلى أن هذا الهدف السياسي لا يخلو من إشكاليات عملية.
ويرى خبراء أن واشنطن تسعى من خلال هذا الصندوق إلى تحقيق توازن دقيق، وهو دعم أوكرانيا بما يكفي لتواصل القتال، دون تمكينها من تحقيق نصر ساحق قد يدفع روسيا إلى تصعيد غير محسوب.
وبين التحول الأوروبي، يطرح "صندوق ترامب" سؤالًا بارزاً، عما إذا كانت واشنطن تسعى حقاً إلى إنهاء الحرب رغم سعيها لهندسة الصراع بأسلوب جديد يجعل من ساحة المعركة الأوكرانية اختباراً طويل الأمد لأوروبا وروسيا على حد سواء.
وأكد الخبراء أن الصندوق الجديد المعروف إعلامياً بـ"صندوق ترامب"، لا يُعد تحولاً جذرياً في مسار الدعم العسكري الغربي، بل يمثل امتداداً لآليات تمويل قائمة مثل "صندوق السلام الأوروبي"، مع فارق جوهري يتمثل في أن الأموال ستُخصص حصرياً لشراء أسلحة أمريكية.
ورأى الخبراء، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن هذا التغيير يعزز من اعتماد أوروبا على الصناعة العسكرية الأمريكية، في وقت ما زالت فيه فعالية المساعدات السابقة موضع تساؤل بسبب عدم قدرتها على تغيير ميزان القوى بشكل حاسم.
وأضافوا أن تأثير هذا الصندوق سيظل مرهوناً بنوعية الأسلحة الموردة، وقدرة أوكرانيا على استخدامها ميدانياً، وسط تحديات لوجستية وتقنية وقانونية معقدة، خاصة أن الغرب يبدو عازماً على إطالة أمد الحرب واستنزاف روسيا دون التورط في مواجهة مباشرة، عبر تزويد كييف بأسلحة تُبقيها في المعركة دون تمكينها من تحقيق نصر حاسم.
وبهذا السياق، أكد مدير مركز JSM للأبحاث والدراسات، د. آصف ملحم، أن ما يُعرف بـ"صندوق ترامب" أو الصندوق الجديد المخصص لدعم أوكرانيا، لا يختلف كثيراً في طبيعته عن "صندوق السلام الأوروبي"، وهو الآلية التي يستخدمها الاتحاد الأوروبي لتمويل الأنشطة ذات الطابع العسكري والدفاعي ضمن السياسة الخارجية والأمنية المشتركة، بعيداً عن الموازنة الرسمية للاتحاد.
وأضاف ملحم، لـ"إرم نيوز"، أن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تسدد مساهماتها المالية في هذا الصندوق بشكل مباشر سنوياً، بناءً على تقديرات يتم إعدادها مسبقاً.
وبين أن تلك الأموال تُستخدم عادة في دعم العمليات العسكرية، أو لتقديم مساعدات عسكرية لدول خارج نطاق الاتحاد الأوروبي، من ضمنها أوكرانيا في السنوات الماضية.
وأشار ملحم إلى أن أوروبا كانت تعتمد في دعمها العسكري لكييف على "صندوق السلام الأوروبي"، لكن الجديد في "صندوق ترامب" يكمن في أن الأموال التي ستدفعها الدول الأوروبية لن تُستخدم إلا لشراء أسلحة من الولايات المتحدة الأمريكية تحديداً.
واعتبر أن هذه الخطوة تمثل تحولاً واضحاً في آليات التمويل، قائلاً إن "كل دولة أوروبية ستساهم بحسب إمكانياتها، لكن في النهاية العائد الحقيقي يعود إلى قطاع الصناعات الدفاعية الأمريكية".
وتحدث ملحم عن الأثر العسكري المحتمل لهذا الصندوق، مشدداً على أن مدى فعاليته لا يعتمد على حجم التمويل فحسب، بل على نوعية الأسلحة التي سيتم شراؤها وتوريدها.
وقال: "رغم كل المساعدات العسكرية التي قدمتها واشنطن لكييف في السابق، لم نشهد تحولاً حاسماً في ميزان القوى على الأرض"، مضيفاً أن هناك عوائق لوجستية وتقنية كبيرة تحول دون تمكن الدول الأوروبية من تزويد أوكرانيا بكميات كبيرة من الأسلحة النوعية.
وأشار إلى أن تفاصيل تأسيس الصندوق تحمل قدراً كبيراً من الغموض القانوني، خاصة أنه من المرجح أن تكون آلية التمويل مصممة بطريقة تُبعد واشنطن عن تحمل أي مسؤولية مباشرة، وتُلقي في المقابل بالعبء السياسي والقانوني على الحكومات الأوروبية.
من جانبه، يرى الأستاذ في كلية الاستشراق بالمدرسة العليا للاقتصاد في موسكو، رامي القليوبي، أن الأسلحة التي تزود بها الدول الغربية أوكرانيا، أو تلك التي تحصل عليها روسيا من دول مثل كوريا الشمالية أو إيران، لا تملك القدرة على تغيير موازين القوى في ساحة المعركة من الناحية الاستراتيجية.
وأكد القليوبي، لـ"إرم نيوز"، أن هذه الأسلحة تتيح لكل طرف – سواء موسكو أو كييف – تسجيل تقدم تكتيكي أو إحراز هدف محدود من وقت لآخر، لكنها لا تؤدي إلى حسم الصراع لمصلحة أي من الجانبين.
واعتبر القليوبي أن النمط السائد هو تسجيل نقاط مؤقتة في معركة طويلة الأمد، دون إمكانية للوصول إلى نصر حاسم.
وأوضح أن "الاستراتيجية الغربية في تزويد أوكرانيا بالسلاح لا تهدف إلى تمكينها من هزيمة روسيا، بل إلى إبقاء قواتها في حالة قتال دائم تسمح باستنزاف موسكو تدريجياً".
واستطرد قائلاً: "الغرب يخشى أن يؤدي أي انتصار كبير وسريع لأوكرانيا إلى رد فعل روسي عنيف، قد يشمل استخدام السلاح النووي كورقة أخيرة، وهو ما لا تريده العواصم الغربية بأي شكل".
وأكد القليوبي أن الغرب يسعى إلى تحقيق توازن بالغ الدقة، متابعاً: "هم يريدون منع سقوط أوكرانيا، لكنهم في الوقت ذاته لا يريدون هزيمة ساحقة لروسيا؛ لهذا السبب يتّبعون سياسة محسوبة بدقة، قائمة على تأجيج الصراع دون السماح بانفلاته".