logo
العالم

سباق "ترميم الفجوة الأمنية".. كيف تعالج إيران ضعف استخباراتها أمام إسرائيل؟

العاصمة الإيرانية طهرانالمصدر: (أ ف ب)

بعد حرب الأيام الـ12 في يونيو/حزيران 2025، بين إيران وإسرائيل، لم يعد سؤال طهران هو "كيف نرد؟" فقط، بل "كيف تمكنت تل أبيب من تنفيذ الضربة؟ وأعادت اعترافات شخصيات من داخل المنظومة الإيرانية، ومنها حسين علائي، القائد السابق للقوة البحرية في الحرس الثوري، فتح ملف اختراقات إسرائيل إلى الواجهة من جديد، والخلاصة أن الاختراقات الإسرائيلية لم تكن حدثاً عابراً، بل مؤشراً على خلل بنيوي في منظومة الاستخبارات، رغم وجود جهازين كبيرين (وزارة الاستخبارات واستخبارات الحرس الثوري).

وفقاً لتقارير غربية، فإن المسار الذي تسلكه إيران منذ وقف النار يوحي بوجود "خطة ترميم" على مستويين؛ قبضة داخلية واسعة لإغلاق منافذ الاختراق، وإجراءات تنظيمية وتقنية لتحسين مكافحة التجسس وحماية الأهداف. لكن نجاح الخطة يبقى رهناً بتناقضاتها، وفقاً للخبراء، ذلك أن القمع الداخلي يلتهم الموارد، والصراع بين الأجهزة يصنع ثقوباً جديدة، فيما يستمر الخصم الإسرائيلي (الموساد) كواحد من أقوى أجهزة الاستخبارات عالمياً باعتراف علائي نفسه.

"علاج بالصدمة"

أول ما فعلته إيران بعد الحرب كان إظهار السيطرة داخلياً، وفقاً لتقارير متطابقة تحدثت عن موجة اعتقالات ضخمة بدعوى الارتباط بإسرائيل، ووصلت، وفق أرقام أعلنتها السلطات إلى 21 ألف مشتبه خلال الحرب (مع مئات في شبهات "تجسس" وآخرين في "تصوير غير قانوني"، إضافة إلى شبكة حواجز وتفتيش واسعة). 

وفي الأيام التالية، تكرست المقاربة عبر تنفيذ إعدامات، ورفع وتيرة الإحالات القضائية في قضايا مرتبطة بالتجسس، وسط تحذيرات حقوقية من توسع عقوبة الإعدام وتسييس الملفات. 

وذكرت التقارير أنه "في موازاة القبضة الأمنية، تحركت طهران تشريعياً لتشديد العقوبات على التعاون الاستخباري مع إسرائيل أو أي قوى أجنبية، كجزء من تثبيت الردع ومنح الأجهزة مساحة أوسع للتحرك". لكن هذا "العلاج بالصدمة" لا يعالج جوهر المشكلة،  التي بات العديد من المسؤولين الإيرانيين والقادة العسكريين يجاهرون بها، فالفجوة ليست في عدد المعتقلين، بل في قدرة المنظومة على اكتشاف التخطيط قبل وقوعه ورفع الإنذار المبكر حول قوائم الاغتيال وطرق التنفيذ.

ازدواجية الجهازين

تملك إيران جهازين محوريين يتداخلان في ملفات الأمن الداخلي والخارجي: وزارة الاستخبارات (MOIS) واستخبارات الحرس (IRGC-IO). وهذا التصميم التاريخي، وفقاً لمراقبين غربيين، كان الهدف منه إيجاد توازنات داخلية، لكنه عملياً ينتج تنافساً وتكراراً للمهام وتضارباً في الصلاحيات، ما يخلق "فراغات" يستفيد منها الخصم.

يصف تقرير لجنة الاستخبارات والأمن في البرلمان البريطاني البيئة الاستخباراتية الإيرانية بأنها تتسم بـالتداخل والتنافس بين المؤسسات، في وقت تُتهم فيه طهران باستخدام أدوات الاستخبارات أيضاً في ملفات القمع الداخلي والعمليات ضد المعارضين في الخارج. 

هنا تتضح معضلة أي "خطة" إيرانية لسد الفجوة مع إسرائيل، كما يقول خبراء، فإيران تريد إعادة تركيز جهودها على إسرائيل، لكنها تعمل ضمن بنية تكافئ الولاء وتراكم النفوذ المؤسسي، لا الانسيابية والتخصص. وعلائي نفسه اقترح مخرجاً عملياً يقوم على "أن تتفرغ إحدى المؤسستين بالكامل لمواجهة إسرائيل، بدل انشغالهما المزدوج بأمن الداخل وخصم خارجي عالي الاحتراف". 

أخبار ذات علاقة

نونو لورييرو

معلومات استخباراتية إسرائيلية.. ارتباط إيراني "محتمل" باغتيال عالم نووي

لماذا تفشل خطة الترميم؟

الانقلاب نحو الداخل بعد الحرب لم يكن تفصيلاً. فتقارير لوكالات عالمية وصفت كيف انتقلت الدولة سريعاً إلى تشديد القبضة الأمنية ونشر قوات وحواجز واعتقالات - خاصة في مناطق حساسة - بدافع الخوف من اضطرابات داخلية ومن شبكات اختراق. 

لكن المشكلة، وفقاً للتقرير البريطاني، أن هذه البيئة تنتج ثلاثة آثار سلبية على "ترميم الاستخبارات"، أولها أن إغراق الأجهزة بملفات الداخل يبدد وقتها ومهاراتها وميزانياتها عن مكافحة التجسس الاحترافية. وثانيها تعزيز الشك والتخوين داخل المؤسسات، ما يضعف التنسيق وتبادل المعلومات ويزيد التنافس. أما الأثر الثالث فهو رفع كلفة العمل السري على الجهاز نفسه، لأن الاعتماد على الاعتقالات الواسعة يخلق ضوضاء معلوماتية، ويجعل التقاط الإشارة الحقيقية أصعب.

لهذا، يقول خبراء غربيون إن إيران قد تنجح في الحرب القادمة بخفض حركة بعض الشبكات بسرعة، لكنها قد تفشل في إعادة بناء سلسلة متماسكة من أمن الاتصالات، وأمن الشخصيات، والتدقيق الداخلي، والتكامل بين الاستخبارات البشرية واستخبارات الإشارات والدفاع السيبراني، وهي عناصر عادة ما تحسم مع الموساد أكثر من استعراض القبضة. 

ماذا عن الحرب القادمة؟ 

المؤشرات المتاحة علناً تقول إن إسرائيل ستواصل الاستثمار في "ميزة الاختراق" لأنها كانت عنصراً حاسماً في الحرب. وحتى في الرواية الإيرانية عن الاعتقالات، يظهر أن إحدى نقاط الضعف كانت التصوير والتحديد الميداني ومرونة تشغيل الخلايا داخل المدن. 

أما عن وسائل الاختراق المرجحة في الجولة القادمة، استناداً لقراءات الخبراء، وبناء على ما برز خلال الحرب وما تعكسه طبيعة المواجهة الحديثة، فتشمل الشبكات البشرية المحلية (تجنيد داخل العمق لتحديد الأهداف وأنماط الحركة). واختراق سيبراني وعمليات اختراق إشارات  لاستهداف اتصالات وبيانات وسلاسل قيادة، وأيضاً تتبع بصمات رقمية ورصد بصري (استغلال تصوير، مراقبة، طائرات مسيرة صغيرة أو وسائل تحديد ميداني)، وبالتالي ضربات مركّبة تستفيد من معرفة مسبقة بمواقع تجمع القيادات أو "نقاط ضعف نمطية" في الإقامة والتنقل، وهي النقطة التي أشار إليها علائي بوضوح عندما تحدث عن الخطأ الفادح الذي ارتكبته طهران بتجميع أهداف في مبنى واحد.

أما درس إيران الحقيقي من حرب الـ12 يوماً، فيبدو أنه يتلخص في جملة واحدة: "لا يكفي وجود جهازين إذا كانا يعملان بعقيدة واحدة، أمن الداخل أولًا". لذلك يتوقع خبراء أن تستمر إيران بالعمل في مسارين متوازيين: تصعيد الردع الداخلي (قوانين ومحاكمات وحواجز) لإغلاق البيئة الحاضنة لأي شبكات، ومحاولة إعادة توزيع الأدوار بين المؤسسات وتحسين أمن الشخصيات والاتصالات.

هل يمكن أن تنجح؟

وفقاً للخبراء، قد تنجح إيران جزئياً، إذا استطاعت تقليل التنافس بين أجهزتها، وقامت بتخصيص إحدى المؤسستين بمكافحة الاختراقات الإسرائيلية. لكن طالما ظل "الأمن السياسي الداخلي" هو مركز الثقل، وطالما بقيت الازدواجية مصدر نفوذ لا مصدر كفاءة، فستبقى الفجوة مفتوحة، وستظل الاختراقات الإسرائيلية مرشحة للاستمرار، ليس لأن إيران بلا أجهزة، بل لأنها تشغّل أجهزتها بعقلية تعطي الأولوية لضبط المجتمع أكثر من ضبط الثغرة الأمنية والعدو الخارجي. 

أخبار ذات علاقة

صواريخ إيرانية باليستية

حركة مريبة تتجاوز "الروتين".. استخبارات غربية ترصد الحرس الثوري الإيراني

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC