في تحوّل استراتيجي يصفه مراقبون بأنه انزياح عن المدار الأمريكي باتجاه الشرق، اقتربت جنوب أفريقيا من إبرام اتفاق تجاري مع الصين يسمح بتصدير خمسة أنواع من الفاكهة ذات النواة، البرقوق، والخوخ، والنكتارين، والمشمش والكرز إلى السوق الصينية، وهي من الأسرع نموًا في العالم.
الصفقة، التي كشف عنها وزير الزراعة الجنوب أفريقي جون ستينهويسن بعد زيارة رسمية إلى بكين رفقة نائب الرئيس بول ماشاتيل، ليست مجرد خطوة اقتصادية، بل رسالة سياسية تقول: بريتوريا لم تعد رهينة لابتزاز الرسوم الجمركية الأمريكية.
الشرارة جاءت من واشنطن، بعد أن قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية بنسبة 30% على الصادرات الجنوب أفريقية، ما مثّل صدمة لاقتصاد بريتوريا، الذي لطالما استفاد من تسهيلات تجارية مع الولايات المتحدة عبر اتفاقيات مثل "قانون النمو والفرص في أفريقيا".
لكن بدلاً من الرضوخ، قررت جنوب أفريقيا قلب الطاولة، متجهة إلى الصين لتعويض الخسائر.
وهنا تكمن المفارقة: فاكهة موسمية تحولت إلى أداة مقاومة سياسية، وأزمة جمركية فتحت الباب لتحالفات جديدة قد تُعيد رسم خريطة النفوذ في القارة.
المكسب الأكبر لبريتوريا يتمثل في ضمان الوصول إلى ثاني أكبر قاعدة استهلاكية في العالم.
ستجد الصادرات الزراعية الجنوب أفريقية التي بلغت 4.2 مليون طن عام 2024، متنفسًا في السوق الصينية، بما يفتح المجال أمام توسع لاحق يشمل المعادن والسلع الصناعية، وليس الفواكه فقط.
بالنسبة لبكين، الصفقة تمثل ضربة دبلوماسية ذكية، منها توطيد العلاقات مع دولة أفريقية مؤثرة دون الدخول في صدام مباشر مع واشنطن. إنها لعبة ناعمة، لكن نتائجها قد تكون بعيدة المدى.
وحذّر المراقبون من أن الأمر يتجاوز التجارة. فجنوب أفريقيا، باعتبارها قوة إقليمية وعضوًا في مجموعة "بريكس"، قد تستخدم انفتاحها على الصين لإعادة معايرة سياستها الخارجية بعيدًا عن النفوذ الغربي.
وهنا يبرز السؤال: هل تقود هذه الخطوة إلى ابتعاد استراتيجي عن الولايات المتحدة، أم أنها مجرد مناورة للضغط على ترامب وإعادة التفاوض على الشروط التجارية؟
وأشار محللون إلى أنه رغم توفير بكين لبريتوريا شريان حياة اقتصاديا، إلا أن الاعتماد الزائد على السوق الصينية قد يُدخل جنوب أفريقيا في دائرة جديدة من التبعية.
كما أن العلاقات الوثيقة مع الصين قد تُثير غضب الغرب، بما ينعكس على الاستثمارات والتعاون الأمني.
ومع ذلك، يرى البعض أن "المغامرة تستحق": فمن خلال تنويع شراكاتها، تستطيع جنوب أفريقيا تقليل تعرضها لأي شريك منفرد، سواء كان واشنطن أو بكين.
في النهاية، ليست القصة عن خوخ أو برقوق، بل عن بلد يحاول استخدام الزراعة كسلاح استراتيجي في مواجهة حرب الرسوم الجمركية، وفقًا للمحللين.
كما أن بريتوريا ترسل رسالة مزدوجة مُفاداها، "لن نُبتز بالرسوم الأميركية، ولن نتردد في توسيع تحالفاتنا شرقًا".
إنها معركة صامتة، لكن خلفها صراع على النفوذ في أفريقيا بين واشنطن وبكين؛ حيث تتحول الفاكهة إلى أداة في لعبة الأمم.