طرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مؤخرًا فكرة «سوبر-إسبارطة» التي تقوم على تعزيز اقتصاد اكتفاءٍ ذاتي في إسرائيل، قادر على إنتاج السلع الأساسية، ولا سيَّما العسكرية، داخليًّا لضمان الأمن القومي، لكنه قد يكتب سيناريو انهيار إسرائيل كما انهارت "إسبارطة"، بحسب "فورين بوليسي".
وكشفت "فورين بوليسي"، أن مقترح نتنياهو استند إلى فهم التحديات التي تواجه إسرائيل على الساحة الدولية، بما فيها ازدياد العداء الأوروبي، وتأثير الأقليات المسلمة في صنع السياسات الأوروبية، إضافةً إلى مزاعم حملات التضليل التي تتعرَّض لها البلاد، بما ينذر بعزلة متزايدة.
يرى الخبراء أن تحليل هذا النموذج التاريخي يكشف هشاشته؛ فدولة "إسبارطة" نفسها لم تُحقِّق اكتفاءً ذاتيًا حقيقيًّا، واعتمدت على اقتصادٍ زراعي ثري قائم على عمل السكان "الهيلوت" المستعبدين، وفي الوقت نفسه حافظت على علاقات تجارية واستعمارية مع محيطها؛ ما يفضح الوهم القائم على سياسة "الانغلاق الكامل".
ولذلك، فإن هذه الاستعارة التي جمع فيها نتنياهو بين أثينا وإسبارطة تعكس في الواقع نموذجًا إسبارطيًّا قائمًا على شعور راسخ بانعدام الأمن والعزلة والتسلُّط العسكري، بعيدًا عن الانفتاح والتفاعل الاقتصادي والثقافي الذي ميَّز أثينا.
ويرى المراقبون أن الخطورة الكبرى في هذا التوجُّه الذي يريده نتنياهو، تكمن في استدعاء ماضٍ قائم على القلق والهيمنة المفرطة على الداخل والخارج، ما يذكّر بما حدث في "إسبارطة": قوة قصيرة المدى وأداء عسكري مهيمن أدّى على المدى الطويل إلى تآكل المجتمع، ونفاد الموارد، وتراجع عدد المواطنين، في حين تركت أثينا إرثًا دائمًا في الثقافة والسياسة والتجارة.
كما أن مقارنة ذلك مع إسرائيل المعاصرة تكشف تناقضًا لاذعًا؛ فإسرائيل اليوم هي قوة إقليمية قادرة على التأثير في الشرق الأوسط، واقتصادها متكامل مع الأسواق العالمية ويستند إلى الابتكار والتكنولوجيا والصادرات الاستراتيجية، ولذلك فإن أيّ توجُّهٍ نحو الاكتفاء الذاتي قد يقوض أسس هذه القوة، ويحوّل الازدهار الاقتصادي إلى هشاشة، ويضعف القدرة على مواجهة التهديدات الحقيقية.
وفي النهاية، تجسّد المقارنة بين أثينا و"إسبارطة" معضلة استراتيجية حقيقية: الانفتاح مقابل الانغلاق، الديمقراطية مقابل العسكرة، والانخراط مقابل الحصار، ومهما كان خيار نتنياهو واضحًا، فإن التاريخ يوضح أن من يسلكون الطريق "الإسبارطي"، مهما فخروا به، ينتهي بهم المطاف أضعف، لا أقوى.