تواجه إسرائيل بعد عامين على هجمات السابع من أكتوبر واحدة من أعقد أزماتها السياسية والعسكرية، فبينما يقاتل جيشها بلا توقف داخل غزة لمحاصرة آخر معاقل حركة حماس، تتسع عزلتها الدبلوماسية على مسرح الأمم المتحدة، ويتراجع الدعم الدولي الذي حظيت به في بداية الحرب على غزة.
وفي الداخل، تتفاقم الخلافات السياسية وتنهك المعارك الجنود وعائلاتهم، وسط تحذيرات من انهيار المنظومات الدفاعية والعسكرية إذا استمرت الحكومة الإسرائيلية في إدارة الحملة بمنطق الصراعات الحزبية والاعتبارات السياسية الضيقة.
وقالت صحيفة "معاريف" العبرية في تقرير نشرته اليوم الاربعاء، إن جلسات الأمم المتحدة شهدت منافسة محتدمة لتحديد طريقة عزل إسرائيل دبلوماسيًا وتشديد الخناق عليها من قبل رؤساء دول أوروبية وعربية معتدلة هاجموا السياسات الإسرائيلية.
وأكد التقرير، أن الضربة التي تلقتها إسرائيل في السابع من أكتوبر كانت صادمة، ولا مجال للجدل حول الضرورة الحتمية لمواجهة حركة حماس؛ إذ يتفق معظم الإسرائيليين على وجوب القضاء على أي وجود مستقبلي للحركة ومنع أي محاولة لتجذرها مجددا.
وأشار إلى أن السابع من أكتوبر يُعتبر كارثة وطنية إسرائيلية؛ إذ يرمز في المقام الأول إلى سنوات من الإهمال الإداري المتراكم عبر أجيال من الحكومات. ومع مرور عامين على تلك الكارثة التي وقعت خلال ولاية حكومة بنيامين نتنياهو، تواصل هذه الحكومة، التي فشلت فشلا ذريعا في التعامل معها، السير على مسار الفناء السياسي الذي يهدد استقرار البلاد.
واعتبر تقرير الصحيفة العبرية، أن المشكلة الكبرى لإسرائيل تكمن في أن مجموعة من "الهواة السياسيين" تدير تلك الحملة بشكل غير احترافي، حيث تتحكم فيها اعتبارات سياسية ونزوات وزراء يمينيين متطرفين، هدفهم الأساسي الترويج لتوجهاتهم الأيديولوجية، مع تقويض مؤسسات الدولة بما فيها القضاء والشرطة وجهاز الشاباك والجيش، لضمان إمكانية ممارسة أنشطتهم المتطرفة والفوضوية مستقبلاً دون أي رادع من الدولة أو أجهزة إنفاذ القانون.
وبحسب التقرير، أعاق السلوك المتطرف تحويل الخطة الحقيقية لإسرائيل بعد السابع من أكتوبر إلى واقع عملي، والتي تهدف إلى القضاء على حماس عسكريا وسياسيا، وتأمين إطلاق سراح الرهائن، وبناء منظومة دفاعية متكاملة على طول الحدود الإسرائيلية من الشمال إلى الجنوب، بما في ذلك محيط قطاع غزة، كما أدى هذا السلوك الإشكالي للقيادة السياسية إلى عزل إسرائيل عن الساحة الدولية بشكل كبير.
وبالتزامن مع توجه نحو أربعين سفينة تحمل نشطاء على متن أسطول الصمود المتضامن مع الفلسطينيين نحو قطاع غزة، رأت "معاريف" أن مسار الأحداث السياسية أصبح أكثر غموضا وسط احتمال تصادم الأسطول هذا الأسبوع مع سفن البحرية الإسرائيلية المكلفة بإيقاف الأسطول ومنعه من الوصول.
فبعد أن حظيت حملة إسرائيل العسكرية بدعم واسع من معظم دول العالم، تقول الصحيفة العبرية إن هذا الدعم تراجع نتيجة سلوك نتنياهو، والمشكلة الحالية لا تكمن بالخطابات المؤيدة للفلسطيين في الأمم المتحدة، بل في الواقع المتدهور لإسرائيل وجيشها بعد عامين من الحرب.
وفي الوقت الذي يواصل فيه عشرات الآلاف من الجنود الإسرائيليين القتال في غزة، حيث يحاصرون المدينة ويواجهون آخر قوة عسكرية منظمة من عناصر حماس بلغت خسائر الجيش 911 قتيلًا، إضافة إلى آلاف الجرحى، وسط حالة من الانهيار النفسي الشديدة يعيشها الجنود وعائلاتهم، حيث أصبحت مهنة أخصائيي الصحة النفسية اليوم من أكثر المهن ازدحاما في إسرائيل.
وعلى الصعيد العسكري، تقول الصحيفة إن حالة دبابات الجيش ومركباته المدرعة تتدهور بشكل مريع. ومن المتوقع خلال الأشهر القادمة أن يعاني سلاح الجو من نقص حاد في مروحيات الأباتشي الهجومية اللازمة لأمن البلاد، بحيث لن يكون هناك مفر من الاعتماد على تدخل أمريكي لإنقاذ الوضع، الذي أصبح في أسوأ حالاته.
نتنياهو الذي قال الأسبوع الماضي: "نحن أثينا وإسبرطة، لكننا سنصبح أثينا وإسبرطة فائقة". يبدو أنّه استيقظ في الوقت المناسب قبل لحظة الانهيار السياسي التي صنعها بنفسه وقاد إسرائيل إليها، وفقا للصحيفة.
وختمت "معاريف" تقريرها بالقول: "يواصل مقاتلو الجيش الإسرائيلي القتال في غزة، محققين بلا شك أهدافهم العسكرية، إلا أنّ الوقت ربما يكون قد فات، ومن غير الواضح ما إذا كانت الإنجازات على أرض المعركة ستترجم إلى تحرك سياسي، في ظل تراجع استعداد أي دولة للتحدث أو التعامل مع إسرائيل".