الخارجية الإيرانية: طهران تخفض مستوى العلاقات الثنائية مع أستراليا
في خطوة جريئة تحمل رسائل استراتيجية إلى العواصم الغربية، فتحت موسكو أبوابها أمام وزراء دفاع بوركينا فاسو ومالي والنيجر، لتشهد أول اجتماع رسمي يجمع روسيا بحكومات "تحالف بلدان الساحل" العسكري.
هذا التحالف، الذي وُلد من رحم الانسحاب الجماعي من منظمة "إكواس" مطلع العام، جاء كردّ مباشر على ما وصفته الدول الثلاث بـ"التبعية العمياء للنفوذ الفرنسي"، وهو ما يفتح الباب أمام إعادة رسم خرائط النفوذ في واحدة من أكثر مناطق أفريقيا اضطرابا.
ويرى الباحث أحمد حسني، المتخصص في الشؤون الآسيوية، أن التحالف العسكري بين روسيا ودول الساحل يُحدث تغييرا جوهريًا في موازين الأمن بالمنطقة، حيث تسعى موسكو لملء الفراغ الذي خلّفه الانسحاب الفرنسي والأمريكي.
وقال حسن: "غير أن هذا التغيير لم ينعكس إيجابيًا على مستويات العنف؛ إذ لا تزال هجمات الجماعات المسلحة مرتفعة".
وأشار، لـ"إرم نيوز"، إلى أن خروج مالي وبوركينا فاسو والنيجر من منظمة الإيكواس أضعف آليات التعاون الإقليمي، وزاد الضغط على الدول الساحلية المجاورة.
قاد وفود الدول الثلاث وزراء الدفاع ساليفو مودي (النيجر)، وسيليستين سيمبور (بوركينا فاسو)، وساديو كامارا (مالي)، وخرج الاجتماع بتوقيع مذكرة تفاهم دفاعية وصفت بأنها "إعلان ولاء استراتيجي" لروسيا في معركة بسط النفوذ على الساحل.
ومنذ انسحاب القوات الفرنسية من مالي عام 2022، ملأت موسكو الفراغ بسرعة عبر إرسال مئات من المستشارين العسكريين ومقاتلي شركة "فاغنر".
وتشير تقديرات غربية إلى أن ما بين 1,000 و2,000 عنصر روسي ينتشرون في المنطقة، بدعم مباشر للمجالس العسكرية الحاكمة في مواجهة الجماعات المسلحة.
ووفق مصادر غربية، تسعى موسكو لمساعدة دول التحالف على تشكيل قوة مشتركة قوامها 5,000 جندي، تُنشر في قلب الساحل لاحتواء التهديدات الإرهابية والنزاعات الداخلية التي أودت بحياة آلاف المدنيين وتسببت في نزوح أكثر من مليوني شخص منذ 2012.
منذ موجة الانقلابات العسكرية التي ضربت المنطقة بين 2021 و2023، انقطعت الجسور مع الحكومات المدنية الموالية للغرب، لتتجه البوصلة نحو روسيا كحليف أمني واقتصادي، قادر على تزويد الجيوش بالسلاح والتدريب دون اشتراطات سياسية خانقة.
بالنسبة لموسكو، يمثل هذا التوجه فرصة ذهبية لتعزيز حضورها الجيوسياسي في أفريقيا، خاصة في ظل انحسار القوات الفرنسية وخروج أغلب الوحدات الغربية من المنطقة.
وأوضح حسني أن روسيا تُعد المورد الأكبر للأسلحة في أفريقيا؛ إذ توفر ما يقارب 40% من إجمالي واردات السلاح للقارة، وهو ما يمنحها ورقة نفوذ عسكرية قوية تُوظفها لتحقيق مكاسب اقتصادية.
وأضاف أن موسكو، بالتوازي مع الإمدادات العسكرية، تعقد صفقات استراتيجية في مجالات الطاقة النووية عبر شركة "روساتوم"، وتوسع حضورها في قطاع التعدين، خاصة في الذهب واليورانيوم، إلى جانب محاولاتها للوصول إلى موانئ الأطلسي.
ورأى أن هذا المزيج بين القوة الصلبة والتغلغل الاقتصادي يمنح روسيا قاعدة لوجستية متينة للتوسع في أسواق وموارد أفريقيا جنوب الصحراء.
لا يقتصر هذا التحالف على التعاون العسكري فحسب، بل يعكس إرادة سياسية لكسر الهيمنة الغربية وإعادة تشكيل التوازنات الإقليمية.
الاجتماع في موسكو لم يكن مجرد لقاء بروتوكولي، بل خطوة محسوبة لإرسال رسالة واضحة بأن روسيا لم تعد لاعبا خارجيا في الساحل، بل شريك أساسي في صياغة مستقبل المنطقة.
وبيّن الباحث أحمد حسني، أن هذا التقارب يمثل تهديدا مباشرا للمصالح الأمريكية والأوروبية في المنطقة، حيث قد تفقد واشنطن وحلفاؤها مواقع استراتيجية للمراقبة ومكافحة الإرهاب.
وتابع: "كما أن تزايد النفوذ الروسي على موارد حيوية مثل يورانيوم النيجر، إلى جانب السعي للحصول على منافذ بحرية استراتيجية، يمكن أن يؤثر على خطوط التجارة العالمية وأمن إمدادات الطاقة".
ومع تصاعد الأزمات الإنسانية والأمنية، يبدو أن موسكو تراهن على مزيج من القوة العسكرية والاتفاقيات الاستراتيجية لتثبيت أقدامها، فيما تجد الدول الثلاث في هذا الدعم رافعة للحفاظ على أنظمتها في وجه الضغوط والعقوبات الغربية.