شهدت القارة الإفريقية مع نهاية عام 2024، لحظة مفصلية في تاريخ علاقاتها مع فرنسا، حيث أعلنت ثلاث دول، هي ساحل العاج والسنغال وتشاد، إنهاء الوجود العسكري الفرنسي على أراضيها.
ووفقاً لتقرير أوردته مجلة "جون أفريك" الفرنسية، فإنه بينما تواجه باريس هذا التحدي غير المسبوق، فإنها تجد نفسها أمام واقع جديد يتطلب تغييراً جذرياً في سياساتها تجاه القارة.
وقال التقرير إن هذه الخطوات ليست مجرد قرارات سياسية عابرة، بل تعكس تحولاً جذرياً نحو تعزيز السيادة الوطنية وتحرر الدول الإفريقية من إرث الهيمنة العسكرية الأجنبية.
وذكر التقرير أنه في خضم هذه التقلبات، برزت عدة عوامل محورية تشمل تصاعد الشعور المناهض لفرنسا، وإعادة النظر في استراتيجيات التعاون الأمني، وتنامي الطموح لتحقيق استقلالية كاملة في إدارة شؤون الدفاع.
كان إعلان رئيس ساحل العاج الحسن واتارا عن انسحاب القوات الفرنسية من قاعدة أبيدجان لحظة حاسمة، إذ أكد واتارا أن جيش بلاده أصبح قادراً على تحمل مسؤولياته الأمنية دون الاعتماد على الدعم الأجنبي.
وأشار إلى أن القرار تم التخطيط له بشكل منظم ويعكس رؤية جديدة لتعزيز القدرات الوطنية.
وقالت المجلة إن هذا التحرك لم يكن مفاجئاً تماماً، إذ صرّح وزير دفاع ساحل العاج، تيني بيراهيما واتارا، منذ أشهر، بأن تسليم القاعدة الفرنسية كان قيد النقاش، مبينا أنه مع تنفيذ القرار، ستقتصر العلاقة مع فرنسا على مهام التعاون والتدريب، في خطوة تعكس التوجه الجديد نحو بناء جيش وطني مستقل.
وتمتد موجة السيادة إلى السنغال، إذ أعلن الرئيس باسيورو ديوميي فاي عن تغيير جذري في استراتيجية بلاده الأمنية، يشمل إنهاء جميع أشكال التواجد العسكري الأجنبي بحلول عام 2025.
وتُعد هذه الخطوة امتداداً لاتجاه أوسع نحو تقليص الاعتماد على القوى الخارجية، الأمر الذي يعكس تصاعداً في الطموحات الوطنية.
أما في تشاد، فجاء القرار أكثر حدة، حيث أعلن الرئيس محمد إدريس ديبي إتنو، في خطوة مفاجئة، إنهاء الاتفاقيات العسكرية مع فرنسا بشكل أحادي، مطالباً بانسحاب كامل للقوات الفرنسية قبل بداية رمضان المقبل.
وأكد التقرير أن هذا التطور أحرج باريس، التي سارعت إلى تنفيذ انسحاب جزئي عبر سحب طائراتها العسكرية.
وشدد تقرير المجلة الفرنسية على أن هذه التطورات تعكس صعود موجة "السيادة الوطنية" في غرب إفريقيا، مدفوعة بتزايد الوعي الشعبي بضرورة التخلص من النفوذ الأجنبي.
وبين أنه على الرغم من أن هذه القرارات جاءت متأثرة بتحولات داخلية وضغوط شعبية، فإنها ترتبط أيضاً بتغيرات إقليمية أوسع، مثل تأسيس "تحالف دول الساحل"، الذي يعكس تنامياً في التعاون بين الدول الإفريقية بعيداً عن القوى الاستعمارية السابقة.
وتشير مصادر دبلوماسية إلى أن هذه الموجة كانت متوقعة، لكن باريس تأخرت في الاستجابة لها، موضحة أنه بدلاً من الاستباق بتقديم نموذج جديد للتعاون، وجدت باريس نفسها مجبرة على الانسحاب بشكل غير مخطط، مما قد يؤدي إلى أضرار أكبر لعلاقاتها مع القارة.
وتأتي هذه التحولات لتضع فرنسا أمام تحدٍ استراتيجي كبير، فبينما يمثل انسحابها العسكري نهاية لحقبة من الهيمنة التقليدية، فإنه قد يكون أيضاً فرصة لبناء شراكات جديدة قائمة على الاحترام المتبادل والتعاون غير العسكري.
ويرى محللون أن هذه التحولات قد تدفع نحو إعادة صياغة العلاقات الفرنسية الإفريقية، لتصبح أكثر استدامة وملاءمة لتطلعات الشعوب الإفريقية.
وخلص التقرير إلى القول إنه إذا نجحت باريس في استيعاب هذه التغيرات وتبني سياسات أكثر انسجاماً مع الحقائق الجديدة، فقد يتحول هذا التحدي إلى نقطة انطلاق نحو مستقبل أفضل للعلاقات بين الطرفين.